جريدة الأقلام الدولية
International pens newspaper

بقلم .محمود صلاح الدين
في بداية أي قراءة نقدية لنص أدبي يجب الأخذ بالاعتبار شخصية كاتب النص والأبعاد الثقافية والأدبية لتلك الشخصية (د. غسان عزيز) الاكاديمي والأديب والشاعر والأنسان كما عرفته والمحب للأدب وأهله وهنا تكون هناك مفهوم أخر لتناول النص والمعايير المطلوبة لكتابة قراءة لنص يكتبه شخصية بهذا الحجم .
يبدأ هو في اختيار العنوان وهو ((مشهد)) وهنا يكون لدى القارئ الانطباع ان ما سوف يكون هو عبارة عن رسم صوري بطريقة شعرية وهذا ما سنكشف عنه في ما هو قادم وهنا سوف ننتقل الى مضمون النص .
” البداية في النار
ذلك المشهد المسرحي ”
هنا يكون النص في عرض مسرحي وتكون البداية في تصوير الأزمة على مسرح الحياة بمصطلح ((النار)) وهذه تعتبر من المعاير الصورية للنص الأدبي وهي لا تعتبر من ما يسمى في المباشرة كما في بعض النصوص لبعض الشعراء على حد سواء العامودي او الحر او القصيدة النثرية فالنار عندما تكون على خشبة المسرح يكون الشاعر قد ساهم في فكرة الدمار الشامل لما يحصل على خشبة المسرح وهو إيحاء شعري رائع من الشاعر ثم ينتقل الى صورة ثانية .
” مدائن اخرى
مرشحة للسقوط”
وهذه الصورة هنا تعتبر مكمل لما بدأ به فالدمار قد يشمل الجميع عندما كتب ((مدائن أخرى)) وكانه ينذر بشر لا يسلم منه أحد في أشاره إلى ((السقوط)) وهنا نرى النص مازال متماسك من الناحية الفنية والعرض الصوري للنص ثم تكون الانتقالية في قوله .
” وغيمٌ قديم يخيم تحت تواريخنا…
والغرفُ الآن صامتة
يتماوج فيها رنين الزجاج ”
وهنا تكون الصورة مغايرة لم سبقها بشكلها التوضيحي للصور التي كتبت وهو يعطي الأسباب لم ذكر من صور ويشير الى الغيم القديم وهي الأفكار والعقد التاريخية التي تملئ تواريخنا كما يقول وهذه من أروع الصور التي عبر عنها النص بشكل تقني بحت وهنا تكون صورة وصفية الى ما يعاني منه المجتمع في ((والغرفُ الآن صامتة)) وهنا يكون الصمت هو الحالة السلبية التي يرسمها الشاعر بلغة الحروف وذلك التشبيه الرائع ((الغرف)) دلالة على ضيق هذا العالم رغم المساحات الواسعة في الكون ويضيف لهذا الواقع هشاشة الشخصية التي يتحدث عنها ووصفها بالزجاج وهذا ما اعطى للصورة جمالية شعرية .
“والنهار مزيج من الماء والوقت والموت!
واجواؤنا ذاتها…. ”
((الماء ، الوقت ، الموت)) كلها مصطلحات تجمع كل مفردات الحياة والذي جسده في كلمة ((الحياة)) وهي أشاره الى كل ما سوف يكون مقترن بقدرتك على مواصلة الحياة وقد تمكن الشاعر هنا من اشتياز كل القضايا الضمنية النص من خلال هذه الصورة .
غبارٌ… شعائر من صمتنا الوثني…
فهل كل ليلةِ نصف يهب هواء قديم…!؟
دخان قديم مموج
وهنا يعود الى تأكيد وجود معضلة تاريخية في موروث التاريخي ويصفه ب((الغبار)) هنا تكون شعائرنا هي الدلالة الضمنية للمراد قوله من خلال النص والمقصود بها ما اكتسبنا من الماضي وما يسبب اليوم وقد أشار الى صمت الأوثان وهو السكوت عن الماضي وما وصلنا منه ما سبب لنا كوارث في يومنا هذا وهو من ختم قوله في مصطلح ((يهب)) ودلالة على رياح الماضي وقد كان موفق في هذا الطرح .
راخى ببطءٍ…. ونحن على دكة المقهى
لنرشفُ سيكار عشب مميت
ثم..
اختفى في عذاب الازقة
ومن هنا نفهم ان لدى الشاعر مخزون تراثي كبير في دقة المصطلحات من خلال النص في قوله ((دكة المقهى)) وهو مكان يصوره لاستعادة الذكريات من خلال ممارسة ولدت ميته ويشير لها ((لنرشفُ سيكار عشب مميت)) ليعود بعدها لقضية نسيان تلك الذكرة الحزينة في عذابات الحاضر وقد كان هو ذاته ((الازقة)) .
” تلك اللحظات.. فقط
المدينة لا تتكرر
وكل المدائن حبلى بحلمي ”
وهنا يجسد ذاته في حلم ومدينة ومدائن وكان الامر أشبه بنبؤه قد لا تكون على ارض الواقع فالمدن هنا ان الماضي لان يعود ويبقى ذلك الحلم الذي يكمن بين كلمات كتبها الشاعر هي طوق النجاة لم هو قادم .
” بكابوس أمٍ تُراجعُ تاريخها كل يوم…
وأشياء تمضي
أناس تموت بلحظاتها
أريد لأنسى بأني رأيت..! ”
اما هنا فهناك ما يسمى بالانتقالية الاحترافية والصنعه الشعرية لدى الشاعر فيبرز قدرته على إدارة النص الشعرية فيصف العلاقة بين التاريخ وما نحن عليه بالغيبوبة التي يحدثها كأس خمره فيعود لتذكر كل ما حدث قبل هذا من خلال ((وأشياء تمضي)) ليكون الموت في خبايا النص هو الشاهد الوحيد على ما تم كتابته وليعود بعدها بأماني النسيان وهو المثقل بكل تلك الذكريات .
” ولكن جسمي صقيع
ومحبوسة
في دمي
صورة…
من عذابٍ مكرر ”
ليعود هنا في تجسيد صورة الموت من خلال حالة الجسد التي ذكرها في النص ((ولكن جسمي صقيع)) وفي النهاية كانت تلك الصورة سجينة في دواخل الذاكرة الحية حيث يكون هناك نهاية غير تقليدية يختم فيها النص الذي يعد هو من الناحية الفنية والتقنية الشعرية ذات طابع مميز الى حد كبير .
ويوعد النص من النصوص التي توظف الصورة لخدمة القضايا الشعرية من الناحية الجمالية وهو ذاته يمتاز بالقضايا التقنية الاحترافية الى حد كبير مما أعطا للنص نكهة مميزة على الصعيد الأدبي وهذا ما دفعني لكتابة هذه القراءة المتواضعة في نص كبير .
(مشهد)
د. غسان عزيز
البداية في النار
ذلك المشهد المسرحي…
مدائن اخرى
مرشحة للسقوط
وغيمٌ قديم يخيم تحت تواريخنا…
والغرفُ الآن صامتة
يتماوج فيها رنين الزجاج
والنهار مزيج من الماء والوقت والموت!
واجواؤنا ذاتها….
غبارٌ… شعائر من صمتنا الوثني…
فهل كل ليلةِ نصف يهب هواء قديم…!؟
دخان قديم مموج
تراخى ببطءٍ…. ونحن على دكة المقهى
لنرشفُ سيكار عشب مميت
ثم..
اختفى في عذاب الازقة
..
تلك اللحظات.. فقط
المدينة لا تتكرر
وكل المدائن حبلى بحلمي
بكابوس أمٍ تُراجعُ تاريخها كل يوم…
وأشياء تمضي
أناس تموت بلحظاتها
أريد لأنسى بأني رأيت..!
ولكن جسمي صقيع
ومحبوسة
في دمي
صورة…
من عذابٍ مكرر……!

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.