قصة قصيرة
تنحّى إلى الزّاوية المعتمة تحت السّرير، الّذي يتهالك، ويلغظ أنفاسه الأخيرة قبل أن تلامس فراشه الأرض، تنحّى واختبأ كي لا يراه ذلك المستبد، لكنّه عثر عليه.
صاح متألّما: أرجوك اعفني من الخروج معك اليوم، لم أعد أحتمل.
غضّ سمعه، حمل إبرة بأنامله الصّغيرة، الّتي أصبح لونها داكنا من المشقّة والتّعب، تلك الأنامل الّتي إذا رأيتها اعتقدتها لرجل كهل قصير القامة، أدخل في الإبرة خيطا قطنيا، وبدأ يغرزه بجسد صديق نحيل، متهالك، رافقه منذ زمن بعيد.
كانت تسقط دمعة مع كلّ غرزة، وتصدح تنهيدة مع كلّ شدّة خيط. نظره كان مسمّرا في غرزاته، وعقله هاجره إلى اللّازمان، أمّا روحه المحطّمة فكانت تتدحرج في أرض الغرفة الضّيقة، الّتي يعيش فيها مع إخوته الأربعة، بعد استشهاد والديه.
غرز غرزته الأخيرة، مسح دموعه المنهمرة، أطفأ تنهيداته بجرعة ماء علّها تطفئ نيرانا تشتعل بداخله، وتسدّ رمق جوعه الّذي ينهش معدته الخاوية، انتعل صديقه الحميم، رسم ابتسامة على وجهه، قام بمسحها عدّة مرّات اجعلها تبدو طبيعيّة، حمل ورودا منعشة المنظر والرّائحة، وخرج يجول الشّوارع ليزرع الفرحة في القلوب الحزينة.
بقلم
عبير عربيد
لبنان

أضف تعليق