الكرنفال . قصة قصيرة . بقلم حميد محمد الهاشم . العراق

مجلة أوراق المهجر الدولية  

 قصة قصيرة:

(.. الكُرنفال……..) 

بعدَ ألفِ فرسخٍ  مِن مدىً محاصرٍ بالظنونِ والشكِ والريبِ.. تقاطرتْ زُرافات، زُرافات من تلك الوجوه.. في ليلها السري… الى قاعة الكرنفال السحري تلك.. ولم تستطعْ الحقيقةُ أن تتجاسرَ لتقولَ شيئاً… ولم ولن تتجاسر أبداً. 

كلٌّ لهُ قناعهُ… كلٌّ لهُ قناعهُ…. وجهُ ذئب؛ وجهُ شاه؛ براءةُ غزال؛ لثامُ لص؛ نسيجٌ لتعويذةٍ من التاريخِ القديم؛ مسخٌ مفتونٌ بملامحهِ؛ مجنونٌ أشعثُ الحكمةِ؛ هيكلٌ عظمي… و.. و.. أقنعةٌ مزهوّة بأزيائها المتنكرة…. ولكلٍّ يبدو نكرة.. متنكرونَ تحتفلُ بهم صالةُ التنكرِ التي يحتفلون بها.. برغبةٍ أو دون رغبةٍ منهم.. على جهلٍ و ليسوا على جهلٍ.. .. لكنهم متنكرون.. والكُلُّ يجهلُ الكلَّ بأمتياز.. يجهلون الصالةَ المكتضةَ بهذا التشوه.. هكذا كلٌّ منهم يتنكر للآخر وينكره دون أن يعرف حتى  مَن هو.. كان وصولاً إلى تحت الصفر ذلكَ التعارفُ ما بين تلك الأقنعة.. ولا ريبَ في هذا التبادل التنكري بين النكراتِ المتخفيةِ وليس ثمةَ من وصولٍ لبلوغِ الحقيقةِ الصادقة. 

نقطةُ صفرٍ جديدةٍ لبدايةِ صفرٍ جديد..كلُّ الأجناسِ أزدحمت بتكالبٍ في اختفائها.. أحتفلتْ البلاطات المُزَوّقةُ مع الأقدامِ الراقصةِ على أنغامٍ مجهولةٍ في ألوانها.. ملونة في جهلها.. ويستمْرُّ الصراخُ، النعيقُ، العواءُ، النباحُ، الثغاءُ، الفحيحُ، الحفيفُ،.. أستمْرَّ كلّ هذا بقوةِ كذبٍ مزمن. 

هكذا دخلوا الليلة العمياء، لا بصيرة في النوايا والرغبات الطيبة صدئة.. هل كان في خلِدهم إن ليلتَهم ستكونُ أطول من ليلتهم.. ربما كانوا ينتظرون فجرَ الحقيقةِ الذي لمْ يُبالوا بمجيئهِ إذ بشعورٍ أو بلا شعورٍ أُسْتدِرجِوا إلى وادي الأقنعةِ لكنهم أنتعشوا أشدّ الانتعاشِ في ذلك الليلِ التنكري الأعمى والأزياء العمياء.. كانوا فرحينَ وليس ثمةَ رغبة بالعودةِ.. فلم يطرقْ أيٌّ منهم قلبَ الصالةِ الراقصةِ بأستفهامٍ فقير.. (هل نحنٌ متنكرونَ حقاً؟) 

.. حفيفٌ..  حفيفٌ لم يكن مرئياً بيدَ أنهُ كان يتجولُ ما بينهم ويباركُ ذلك الخفاء وتلك البهجة البائسة.. من أين أتى هذا المتنكرُ الذي ربما  لم يكن متنكراً.. لا أحدَ يدري.. من هو لا أحدَ يعرف…. ملامحهُ؟! .. لا أحد!! .. ما رائحته؟!! .. لا أحد!! … هل أخترق الجدار؟.. هل مرَّ من خلال الثقوب؟ .. هل وشوشَ المسامع؟ .. هل أحتل القلوب؟ .. هل أعمى البصائر؟ .. ربما.. ربما…!! 

عند الفجرِ حاولَ كذابو الليل أنْ يزيلوا ذلك الصخبَ المتناقض من على وجوههم  ويمسحوا آثارَ الظلام.. الظلام ُالذي يبدو أنهُ أتخّذَ  قراراً ما. 

صدَمُهمْ بقوةٍ الفشلُ أبتداءً .. وصدَمُتهم قوة الفشل انتهاءً.. حيث ألتصقَ كلٌّ منهم بتنكُرهِ الذي اختارهُ باطنهُ لظاهرهِ بإرادةٍ أو بلا إرادة. 

لا قوةَ في داخلِهم تغلبتْ على تلك الريح الخفية. 

هل تلك الريح هي التي صدت ظهورَ الفجرِ وحبست بقاءَ الأزياءِ في غموضها المفتوحِ على مجهولهِ.. (لااحد).. والريحُ تتجولُ راقصةً تناغمُ فشلهم في انتزاعُ الأقنعة. 

مضى الليلُ ثم النهارُ وهم مُكبلّين بثيابهم الرعناءِ التي امتنعت أن تغادرَ أجسادهم.. عقولهم.. قلوبهم. 

كان النهارُ الأولُ الخسارةُ الاولى

دخلوا الليلةَ الثانية… قرروا أستئناف كرنفالٍ آخرٍ طائشٍ عسى أن ينجدهم الفجرُ الثاني ويوقفَ العواء والنعيق والثغاء.و.و لكن النهار المرجو برغبة مؤصدة هو الآخر ألتَحفَ طياتِ الفشل.. أُجْبِروا على الدخولِ في ليلةٍ عمياءٍ أخرى.. وهكذا.. فشلَ الفجرُ التالي بأمنية عقيمة أخرى.. فليلةٌ مزيفةٌ أخرى.. ثم أخرى.. ثم.. ثم………….

هكذا أصبح ليلُهمْ نهارهمْ ونهارُهمْ ليلهمْ

متنكرون.. متنكرون حتى الهزيعِ الأخيرِ مِنْ الهزيعِ الأخيرِ برقصتهم الجوفاء

هذا ما قررتهُ الريحُ التي لم يرَوَها وهي تتجسدُ في أنفاسِهمْ. 

وتستمّرُ حفلةُ التنكرِ للأجناسِ المتنكرة.. أبداً حتى الوصول إلى فجرِ انتزاعِ الأقنعةِ الذي على ما يبدو قررّ هو الاخر أن لا يأتي أبداً، وتلك رغبةُ الحفيفُ والفحيحُ معاً أن تكون النكرات  هذهِ محتفلة والى الأبد…

…………….!!،!!!…….؟؟؟……..

أجيالٌ توارثتْ تلك الأسطورة.. تغيبُ الحقيقةُ في الضباب.. والضبابُ نفسهُ حقيقةٌ أخرى.. قيل أنها لم تكن ولم تحدث.. قيل.. لا.. أنها حدثت.. وقيل إنها لعنةُ شيطانٍ وقحٍ ونَذْل.. تماهتْ مع قلوبهم.. فأصبحت الأقنعةُ وجوههم.. والوجوهُ أقنعة.. وقيل انهم إلى الآن مازالوا كذلك.. ويعيشون معنا.. بيدَ أننا لانشعرُ بهم… وتلك لعنةُ أكثر الشياطينِ. نذالة.. تماهت مع قلوبنا..قلوبنا ربما الاكثر  قذارة. 

بقلم

حميد محمد الهاشم

العراق

أضف تعليق