عين الرسام . قصة قصيرة . سمير لوبة . مصر

 

 عَيْنُ الرَّسَامِ    

قصة قصيرة 

سمير لوبة . مصر 

فِي المَدِينَةِ العَجُوزِ تُخًيمُ العشوَائيةُ عَلَي الشَّوَارِعِ ، يَحفُرُ الجَهلُ بِمخَالِبِه فِي مُخَيلَةِ قَاطِنِيهَا قَبلَ عَقلِهم الغَوغَائِيةَ ، تُضَيّقُ الأدخِنَةُ أنفَاسَهم ؛ يُطبِقُ الحُرَاسُ على الشَّارِدَةِ والوَارِدَةِ ، يَقِفُون فَوقَ رُءوسِ قَاطِنِيهَا، يُولَدُ فِي المَدِينَةِ العَجُوزِ الأطفَالُ شُيُوخَاً ، جِنَازَاتُ الأًحلَامِ لَا تَنقَطِعُ ، لَا شَيءَ يَقبَلُه المَنطِقُ ، رُءوسٌ طَأطَأهَا العَوَزُ ؛ فلَا تَلمَحُ فِيهَا مَنْ يَرفَعُ رَأسَه ، تَزحَفُ العُيُونُ تُلَاصِقُ الأَرضَ ، تُفقَأ إحدَاهُمَا إنْ ارتَفعَت لتَرَى السَّمَاءَ ، وتُترَكُ واحِدَةٌ  لتَرَى مَا يُرِيدُون لقَاطِنِيها أنْ يَرَوه ، 

يَجلِسُ الرَّسَامُ عَلَى رَصِيفِ المَقهَى الضَيقَةِ يَملأَهَا الدُخَانُ يَخنُقُ الصُّدُورَ ، تَبكِي ذَاكِرَتُه ” أمْ الضَفائِرِ ” حَبيبَةَ قَلبِه الَّتِي فَقَدَهَا يَوَمَ رَآهَا كَبِيرُ الحُرَاسِ وطَلَبَهَا مِنْ أبِيهَا النَّحَاتِ فلَمْ يَستَطِعْ أنْ يَرُدَّ طَلبَه ، وذَاتَ يَومٍ رَفَعَ عَينَيه الاثنَينَ يَرنُو إلِيهَا وَهِيَ تُطِلُّ مِنْ نَافِذةِ بَيتِ كَبيرِ الحُرَاسِ العَالِي فَفَقد إحدَى عَينَيه ، فَجأةً يَقطَعُ حَبلَ الذَّاكِرَةِ صَوتُ مُعَلِقِ المُبَارَاةِ ” هدفٌ فِي الوقتِ الضائعِ ” يَنبَعِثُ صُرَاخٌ يَهِزُّ المَكَانَ ، يُطَأطِئ الرَّسَامُ رَأسَه يَنظُرُ فِي لَوحتِه بالعَينِ الوَحِيدَةِ  ، يَنصَرِفُ الجَمعُ ، مَن لَه عَينٌ وَاحِدَةٌ والأُخرَى مَفقُوءةٌ ومَنْ نَال الحظَّ ومَازَال يَحتَفِظُ بعَينَينِ ، صَامِتُون تَزحَفُ عُيُونُهمْ عَلَى الأَرضِ لَا تَجرُؤ عَلَى النَّظَرِ لِلسَّمَاءِ ، يَنبَعِثُ نَحِيبُ النَّاي بأغنِيةٍ ، تَتَلَقَفُهَا أُذُنَاه ، يُتَمْتِمُ بِكَلِمَاتِهَا  :

• ألِفُّ الشَّوَارِعَ

• أتُوه فِي المَدِينَةِ

• أضِيعُ فِي المَوَاجِعِ

• وفِي دُمُوعِي الحَزِينَةِ

• وفِي كُلِ الشَّوَارِعِ

• لَا ضَاعَت مَوَاجِعُ

• ولَا هَديَت عُيُونُ

  • كَيفَ حَالُك يَا فَنَّانُ ؟ 
  • كَمَا تَرَى بعَينَيك الاثنَينِ ، فُقِئَت إحدَى عَينَيَّ ،  أبحَثُ عَنْ عَملٍ 

  • كُنْ مُطمَئناً ؛ عِندِي لَك عَملٌ 

  • مَتى ؟ 

  • عَليك أنْ تُحضِرَ أولاً صَحِيفَةَ أحوَالِك الجِنَائيةِ ” فيش وتشبيه ” مِنْ عِندَ الحُرَاسِ

  • غَداً سَأذهَبُ لِعَملِه 

  • أرَاك بَعدَ أنْ تَنتَهِي مِنه 

تَمرُّ عُشرُون سَنَةً  ، يَتقَابلُ ذو العَينَينِ مَع الرَّسَامِ وَقدْ بَات كَفِيفًا

  • أينَ كُنت يَا فَنَّانُ ؟ 
  • فِي جَبَلِ المَغُولِ 

  • لِمَاذَا ؟ !!

  • بقلم سمير لوبه

    أضف تعليق