العرب .
بين قبول ورفض التطبيع مع إسرائيل
د . فاطمة سلومي .
أكاديمية وأعلامية عراقية .
من يتمعن بتاريخ الكيان الصهيوني وحجم الدمار الذي خلفه في الأراضي الفلسطينية سيجد الحجم الكبير من الجرائم التي ارتكبها بحق الأبرياء من الفلسطينيين (أصحاب الأرض الفعلية ) منذ 1947 حيث قرار التقسيم إلى وقتنا الحالي، وما يثير الغرابة في ذلك إن نجد من يسعى إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل أو ما يسمى التطبيع إي جعل وشائج التواصل مستمرة والمأخوذة لغويا من مفردة ( تفعيل ) لذلك فموضوع التطبيع بدأت به إسرائيل قبل العرب، باعتبارهم وسيلة مهمة لديمومة هذا الكيان الغاصب ،الذي حاول التمدد على حساب الأرض الفلسطينية ولعل بوادر هذا التطبيع قد بدا ت منذ سبعينات القرن الماضي إثناء التوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979وفشل المعاهدة اللبنانية الإسرائيلية عام 1983، واستمرار المعاهدات فيما بعد مع الأردن حتى بدا عام 2020 الذي يعد عام التطبيع مع إسرائيل وتحديدا كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة ، السودان ،المغرب وهذا ما سعت له الولايات المتحدة، وتحديداً خلال تسنم دونالد ترامب الرئاسة ، عندما سعى إلى تأليف تحالف دولي يضم كل من إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي في محاولة لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط الجديد ضمانًا لمصالحها الإستراتيجية من شانه التقريب بينها وبين العرب ،لمواجهة ما تطلق عليه خطر إيران وتوجيه الأنظار للجميع بأنها العدو الأكبر للخليج فواشنطن عملت منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 إلى بناء منظومة عسكرية أساسها تسليح دول الخليج ولعل صفقة القرن أو خطة ترامب للسلام دليلا على تسطيح القضية الفلسطينية ،لاسيما وان هدف الصفقة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاديات الفلسطينيين ،والتي ايضا طرحها جاريد كوشنر صهرترامب في مؤتمر البحرين عام 2019وعليه فان هذه المشاهد فسحت المجال لإسرائيل ومن خلفها أمريكا التهافت والالتحاق في التطبيع ، والامتناع عن إعطاء موقفها بشكل واضح فوقفت مع الحياد مثل العراق ،سورية ،لبنان، اليمن، الكويت ولعل الموقف العراقي كان واضحا من التطبيع إذ أعلن موقفه بعد تصويت البرلمان العراقي على قانون حظر التطبيع الذي تم التصويت عليه من قبل( 275) نائبا من أصل (329) في 21ايار عام 2022 كما أعلن عن ذلك وزير الخارجية فؤاد حسين دعم العراق للقضية الفلسطينية ،والرفض المطلق لعملية التطبيع ،موضحا عقوبات مشددة إزاء الذين يرغبون بالتطبيع وبضرورة الالتزام بقانون الحظر الذي اقره مجلس النواب العراقي ،وعلى الرغم من ذلك تباينت الآراء والمواقف من التطبيع ،فهناك من انتقد بشدة هذا القانون لحاجة العراق إلى قوانين أخرى تخدم المواطن، وعليه لابد من وضح الواضحات إن مرحلة التطبيع مع (إسرائيل )أخذت الجانب الرسمي الحكومي لبعض الدول ، لكن الشعوب العربية بقيت متماسكة المبدأ والهدف مع الشعب الفلسطيني وعودة القدس لكي تكون قبلة العرب من جديد، مما أعطت هذه الشعوب نموذج التمسك بالعقيدة الوجودية للأرض المغتصبة، ضمن رؤية واحدة تجمعها المشتركات التي اثبتت فشل الحكومات العربية في تحقيق مطالب شعوبها . مما خلق شرخاً للعلاقة بين الحاكم وشعبه والدليل ما حدث بما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011التي شغلت الداخل العربي بالمشكلات الداخلية ، للمطالبة بالحرية والتغيير المصطنع الذي غيب الحقيقة عن الواقع المرير الذي تعيشه المنطقة العربية ، وجذب الأنظار إليها كبديل عن القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى التي باتت جزءاً من تاريخ الشعوب وليس تاريخ الحكام ،لهذا ومن هذا المنطلق يمكن القول إن التطبيع مع (إسرائيل) اخذ أشكالاً مختلفة منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن ، فالمطبعون يسعون إلى إظهار هذه العلاقة علناً دو ن مخاوف وإدراك بان إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني يشكل تهديداً لعدم استقرار المنطقة وسيلة لتغذية الجماعات المتطرف التي تهدف إلى تمزيق النسيج المجتمعي مستفيدة من فبولية ورفض أنواع التطبيع، وتجاهل كل السياسة الهوجاء التي يمارسها الإسرائيليون ضد شعب فلسطين من قمع وتهجير وقتل ،دون إن تجد راعا من قبل الحكومات العربية التي وافقت وأعلنت التطبيع وأعطت شرعية لبقاء هذا الكيان الغاصب الذي تجاوز كل الأعراف والقيم والتعويل بالدرجة الأساس على الدول الرافضة التي ترغب ببناء بيئة أمنة للتفاوض وإيجاد الحلول الناجعة للقضية الفلسطينية، وفق الرؤية المناسبة التي تتفق مع القوانين الدولية والهوية العربية التي تخاطب الوعي الجماهيري بثوابته الوطنية البعيدة عن التغيير والتقلبات الآنية خصوصاً وان موضوع التطبيع من وجه نظر إسرائيلية هو تحدي العرب وتطويعهم بالقبول والجلوس على طاولة الحوار وهذا ما يطمح له الكثيرون من مؤيدي الحلول التي تحفظ كرامة الإنسان في فلسطين من اجل وجود سلام مبني على الاتفاقيات والمواثيق السابقة كاتفاقية مدريد للسلام عام 1993واتفاق إعلان المبادئ أسلو 1993واتفاقية غزة وأريحا 1994ناهيك عن إعادة برتوكول الانتشار (الخليل)عام 1997 وصولاً إلى اتفاقية خارطة الطريق الوقعة عام 2002 و2005 واتفاقية وادي عربة عام 2019 وغيرها الكثير من الاتفاقيات التي وقعت بعد قبول العرب بها حتى أضحى اغلبها حبرا على ورق بعد إعلان اغلب البلدان العربية التطبيع، والبدء بعلاقات جديدة شاملة سياسية ،اقتصادية ، اجتماعية برعاية أمريكية اعترفت فيها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني قائمة على احترام حسن الجوار جغرافيا لكنها فاقدة لبوصلة المصداقية في تحديد استحقاقات الشعوب في التغيير الحقيقي للمحافظة على الأمن العربي المهدد ضمن المنظور البعيد.

أضف تعليق