
International pens newspaper
فالح الكيــــلاني
.
حرص الخلفاء الراشدون على تعليم الناس القرآن الكريم وحفظه فهو خير من قول الشعر وحفظه ومع كل هذا لم ينته الشعر و لم يهمل وبقيت له مكانة في القلوب والنفوس وقد ازدادت الحاجة اليه لما عمدوا إلى تفسير القرآن الكريم وخاصة في معرفة غريب الألفاظ أو بعض المعاني ودقة الاساليب فقد قيل انه روي لأبي بكر الصديق قصيدة في الحماسة وروي لعمربن الخطاب أبياتا في الحكمة وكذلك لعثمان بن عفان .أما علي بن ابي طالب فقد كان شاعرا وروى الناس من شعره الكثير و قيل ان بعضه قاله في معركة صفين . وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون اي كلهم قالوا الشعر الا انهم كانوا يمنعون الشعراء من هجاء المسلمين ا و هجو الإسلام .
كل هذه الامور جعلت تيار الشعر العام في هذا العصر يضعف ويخبو أواره وتتوارى بلاغته وبيانه في بداية هذا العصر وخاصة في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخليفتيه ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب لاهتمامهم بالقرآن الكريم فقط الا انه ظل مزدهرا على شكل ومنهج الشعر الجاهلي وامتدادا له . الا انه عامة قد ضعف وأن غالبية الأغراض قد قل القول فيها إن لم تكن ندرت ,عدا بعض الأغراض التي أملتها ظروف الدولة الجديدة في هذا العصر كشعر الانتصار على المشركين في معاركهم او فيالفتوحات الاسلامية وشعر التهاجي بين المسلمين والمشركين وشعر الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وشعر رثاء المسلمين ممن استشهد في ساحات الوغى والقتال في سبيل نصرة الدعوة الاسلامية .
وكان من أهم أسباب هذا الضعف صعوبة التكيف على تعاليم الإسلام الجديدة سلوكا واسلوبا لدى بعض الشعراء لتكابر انفس بعضهم والعربي معروف باعتزازه بنفسه .
لذا ظل الشعراء ينتهجون الأسلوب الجاهلي تصورا وأخيلة ومعان واسلوبا مع إدخال بعض الألفاظ الإسلامية في بداية عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . وادخل التناص القراني في شعر بعضهم ولا يزال الشعرلحد الان فيه التناص القراني – ونفخر به في شعرنا او بعض قصائدنا – فيفخر الشاعر الاسلامي بهذا التناص . لذا جاء شعرا ممزوجا بين أسلوب الجاهلية والمعاني الإسلامية ولم يستطع شعر صدر الاسلام ان يتحرر من قيود الشعر الجاهلي ابدا . ومن ذلك قول الشاعر بجير بن زهير بن ابي سلمى وكان قد اسلم :
إلى الله – لا إلى العزى ولا اللات – وحده
فتنجوه إذا كان النجاء وتسلمُ
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
من النار إلا طاهر القلب مسلمُ
وفي لامية اخيه كعب بن زهير في مدح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تظهر الصياغة الجاهلية واضحة كالشمس مهما حاول اكساءها بثوب اسلامي :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
متيم أثرهــــا لم يفد مكبولُ
…إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من ســـيوف الله مسلولُ
في عصبة من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
عند اللقاء ولا ميل معازيلُ
فالشعر الاسلامي في هذه الفترة مهما كان مكتسيا ثوب الإيمان ملتزما بالمعاني الإسلامية … الا انه ظل جانحا إلى أسلوب الشعر الجاهلي اخذا منه انماطهومعانيه واساليبه وهذا ليس بعيبفي الشعر او الشعراء وإنما هم كانوا يحاولون صياغة أشعارهم على النمط الإسلامي إلى أقصى مدى ممكن لهم , الا ان الفترة الزمنية للرسالة المحمدية في زمن صدر الاسلام كانت قصيرة وهي تعد اقصر العصورفي التاريخ العربي والاسلامي بالإضافة إلى عدم إسلام الشعراء جميعهم في بداية الرسالة المحمدية فكان من أهم الأسباب التي أدت إلى بطيء تطور الشعر في هذا العصر .
ومن خلال دراستي لشعر الشعراء في هذا العصر تبين لي هناك تأثرا للشعر بدعوة الإسلام إلى درجة عالية عند حسان بن ثابت- شاعر الرسول – وهو الذي عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الاسلام وظهرت واضحة اقتباساته من القران الكريم ومن احاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم . واقتباس بعض الألفاظ عند كعب بن زهير الا انه على العموم بقي شعره مشدودا الى الشعر الجاهلي فكان شعره جاهليا في الجاهلية جاهليا في الإسلام – نسبة إلى اسلوبية الشعر – ومعانيه واخيلته .
يرجع ذلك التفاوت إلى الأسبقية في الإسلام والموهبة الشعرية المختلفة والاستعداد الفطري لتقبل الدعوة الجديدة طبقا لظروف الشاعر في الجاهلية فالحطيئة مثلا كان معروفا بالهجاء في الجاهلية ولما اسلم فلم يستطع أن يتخلص بصورة نهائية من هجاء الاخرين حتى حبسه الخليفة عمر بن الخطاب بعض الوقت ولم يقل فيه ثم اطلقه فعاد اليه وقيل انه قد هجا امه واباه وزوجته ونفسه . وكعب بن زهير انشد بعض شعره في الإسلام من الايمان الإسلامي فكان قليلا فيه ومن الأسلوب الجاهلي كثيرا وهكذا بقية الشعراء حيث كان اغلبهم مخضرمين فأ ثر فيهم اسلوب وطبيعة الشعر الجاهلي ولم يتمكنوا من التخلص منها فنسجوا على منواله .
ومن هنا يتبين ان الشاعرالفطحل حسان بن ثابت (شاعرالرسول ) قصائده التي نظمها بعد اسلامه تصب في الاسلام وتاخذ منه والالتزام به لقرب الشاعر من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقرابته منه حيث انه كان عديله– زوج اخت زوجته – فاهتم به كثيرا وان عمره الطويل عركه فكانت قصائده في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك في شهداء المسلمين كثيرة وتطفح بالمعاني الاسلامية وتظهر في اسلوبه ظاهرة جلية .
و حسان بن ثابت بن المنذر من الخزرج . يقال أنه عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين أخرى . تردد حسان قبل الإسلام على بلاط الغساسنة ، وكان لسان قومه في الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، ومن ثمَّ اصطدم بالشاعرين الأوسين: قيس بن الخطيم ، وأبى قيس بن الأسْلت.
كان حسان شديد العصبية لقومه، فلا يكاد يتعرض لهم أحد بسوء حتى انبري للذود عنه بشعره، فيشيد بمناقبهم ويهجو أعداءهم، وهذه العصبية تفسر لنا غلبة الهجاء والفخر على شعره الجاهلي. وقد بلغ أنه طلَّق زوجته (عمرة) الأوسية لأنها عيَّرته بأخواله.
وكان يختلف إلى مجالس الشرب واللهو، ليعاقر الخمر ويستمع إلى غناء القيان، وكان شديد الولع بالخمرة، يتلف ماله في طلبها ولولاها لكان خليقا بأن يكون ذا مال وثراء كبير :
تقول شعثاء لو تفيق من الكـــــأ س لألــــفيت مثري العــــددِ
أهوى حديث الندمان في فلق الص بح وصوت المسامر ِ المغردِ
وعندما اعلن حسان بن ثابت اسلامه بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة أخذ بعض شعراء قريش في هجاء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهجاء اصحابه من المسلمين رضي الله عنهم وقف حسان بوجوههم مدافعا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين واشتد هجاؤه لشعراء قريش وقد وجد في تأييد و تشجيع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وحثه على هجائهم سبيلا واسعا فكان يقول له :
( اهج قريشا فوالله لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام، اهجهم و معك جبريل روح القدس)
( لهذا أشد عليهم من وقع النبل )
وكان يهجوهم يوصمهم بالشرك والكفر ويعيرهم بايام اقوامهم التي هزموا فيها وبانساب بعضهم ومثالبهم في الجاهلية و حين رد على الزبرقان بن بدر شاعر وفد بني تميم قال :
إنّ الذوائبَ منْ فهرٍ وإخوتهمْ
قدْ بينوا سنة ً للنــــاسِ تتبــــــعُ
يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُ
تقوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضروا عدوهمُ
أوْ حاوَلُوا النّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفعوا
سجية رٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدثة ٍ
إنّ الخلائِقَ، فاعلَمْ، شرُّها البِدَعُ
ويقول مدافعا عن الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداءُ
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
فكان حسان اشعر الشعراء في صدر الاسلام واقربهم الى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وقد بينت ذلك في كتابي ( دراسات في الشعرالعربي واماراتهم ) حيث حسبته اميرا للشعراء في عصر صد ر الاسلام .
لاحظ كتابي ( الموجز في الشعرالعربي ) المجلد الاول – الجزء الاول
ارتبط الشّعر الإسلامي بظهور الدّعوة الإسلاميّة التي حملها الرّسول محمد عليه الصلاة والسلام، وعليه نجد الشعراء الذين اسلموا واخلصوا في اسلامهم استبسلوا في الجهاد بشعرهم لنصرة الدين الاسلامي الجديد، ومحاربة أعدائهم من الكفار والمشركين بالشعر، والفخر بالنبي عليه الصلاة والسلام وهجاء قريش وتسجيل الغزوات. ومن خيرة هؤلاء الشعراء نذكر حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير. وعلى المستوى اللغويّ، فإننا نجد اللغة المُستخدمَة واضحة وسهلة وليّنة، بعيدة عن الغرابة والغموض والرموز المُبهَمة، وتستند إلى أبعاد تاريخيّة و دينية، فهي لغة أعلاء الدلالية في الدين والسياسة والاجتماع والتاريخ والطبيعة والتصوف والأدب بالذاتية والموضوعية .
فالشعر في صدر الاسلام يمثل الشعر الذي قيل ما بين مبعث الرسول الحبيب المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين وما بين عصر بني أمية يسمى بـ(عصر صدر الإسلام) و الادب العربي بهذه الحقبة يسمى أدب صدر الإسلام بقسميه الشعر والنثر.
*
لاحظ كتابي ( ملامح التجديد في الشعرالعربي جـ 1 )
أضف تعليق