الطفولة رصيد غير نافد، وقطاف واعد ..

جريدة الأقلام الدولية
International pens newspaper

الطفولة رصيد غير نافد، وقطاف واعد ..

عمار جواد الوراد
العراق

الطفولة أساس بناء المستقبل وحجر صلب لغد أفضل، أن أسس لها وفق ضوابط الفطرة الام فهي عمود خيمة النجاح لكل بلد ومخزون طازج لخلطة تكاد تؤتي اكلها بعد حين لتقطف وتستثمر، اذ تعتبر من اهم مراحل نمو الفرد والقاعدة الكبرى لنشوءه وبناء فكره واعتقاده وثقافته أي تكوين دائرته المعرفية والتي عن طريقها يمكن ان تحدد شخصية الفرد المستقبلية.
بالوقوف عند كل زاوية من زوايا الحياة مستعرضين مراحلها نعي جيدا ان للطفولة قضمة الأسد والحصة الأكبر في تركيب الشخصية، اذ تصنع السنوات الأولى من حياة الطفل الاس الكامل لنموه اللاحق اذ ان “الطفولة تعد من اهم المراحل العمرية والأكثر خطورة وتقيدا، لما لها من آثار وانعكاسات على شخصية الفرد في المستقبل وقدرته على التعامل الإيجابي” (واقع الطفولة في الوطن العربي بين الإساءة والدونية، أ. د معتوق جمال: 102) ولذلك كان للإسلام دور واهتمام خاص بالطفولة ومنهجتها وفق أطر تتماشى والقيم السماوية التي حرصت على تأمين طفولة سوية وأمنة كيما تضمن تنشئة أجيال من المسلمين مؤمنين بربهم متمسكين بعقيدتهم مخلصين لبلدانهم يظللهم الحق ويهجرهم الباطل فضلا على تغذيتهم بالانتماء للحضارة الإسلامية وانهم جزء واساس من تكوينها وضمان ديمومتها قبالة الحضارات الأخرى ذلك منبثق من رعاية الاسرة في تعزيز إمكاناتها وتقديم الدعم اللازم لها في رفع وضعها الاقتصادي والاجتماعي والصحي فضلا عن تأهيل الزوجين لضمان ادائهما بواجبهم الإنساني والشـرعي في تربية أطفالهم.
ان الرؤية الإسلامية عملت على ردم كل الثغرات التي يمكن ان تنشا جيلا غير منسجم مع بعضه وغير قادر على حمل مسؤولية بناء نفسه بالدرجة الأساس وبالتالي يلازمه التعثر في بناء بلده لذا كان للاسلام دور فاعل في رفع الفوارق الطبقية والخلقية كاللون والجنس كضمان حقيقي لتنشئة فرد صالح قادر على التعايش مع أبناء جلدته بكل مسمياتهم واشكالهم والوانهم وبالتالي ضمان جيل متماسك متراص قوي ليكون عمادا حقيقيا إزاء كل عمل تنموي من شانه الاسهام في اصلاح وبناء محيط يتوائم والاطفال وينسجم ومتطلباتهم الانية والمستقبلية ولذلك حرص الإسلام على توفير الظروف الملائمة لأعدادهم كيما يكونوا قادرين على الاندماج مع كل المتغيرات والمستجدات التي تمر في مسيرة حياتهم فالحضارة الإنسانية المعاصرة لا ثبات لها، فان ذلك التغير والتحمل يجعلهم جديرين بالانتماء الى اوطانهم وانغماسهم بتربته الزاكية فهم رصيد غير نافد للوطن وذخر لمستقبله.
ان الإسلام كمنظومة متكاملة متراصّة وضع حقوقا واحتياجات لا بد ان تتوافر للطفل قبل مجيئه وعلى رأسها موضعا طاهرا لنطفة طاهرة أي اختيار ام صالحة تتمتع بالطهر الروحي والأخلاقي والديني والجسدي لكون العرق لأصله دساس “اختاروا لنطفكم فان العرق دساس” وبذلك راعى الإسلام جانبين أساسيين في الزوجة الجانب الوراثي الذي انحدرت منه المرأة والجانب الاجتماعي أي البيئة والاسرة التي نشأت فيها لما لهما من انعكاس على سلوكها وسيرتها وهي رسالة ذات معان ليست بالقليلة قادرة على انشاء جيل ومجتمع مثالي فيما اذا طبق صلب حديثه عليه الصلاة والسلام فاختيار ام صالحة بالضـرورة انشاء جيل صالح فقط لأنها المعلم الأول والاساس في بناء الطفل ابتداء من رحمها وانتهاء بطهر حليبها لما لها من تأثير مباشر على صلاح وفساد الطفل ،ذلك هو الحق الأول للطفل الذي حدده الإسلام.
واما النطفة وحاملها فهو الحق الاخر للطفل “من رضيتم دينه وخلقه فزوجوه” فشـرط قبول النطفة وحاملها الدين، والخلق اذ لم يغفل الإسلام حق الطفل من ناحية الاب أيضا، وانما حدد ضوابط واشترط أخرى فقط لينشئ جيلا ذا مقدرة على مواكبة الحياة بكل مستوياتها ويضمن صلاح الامة والمجتمع فطفل اليوم قائد الغد.
ان رعاية الأولاد لم تقتصـر على الابوين فحسب بل ان للمجتمع دور رئيس فيها أيضا فهو – المجتمع – مساهم مع الابوين في التربية عن طريق تقويم سلوك الأطفال وتصحيح اخطائهم “ايما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدب على معصية، فان الله عز وجل اول ما يعاقبهم فيه ان ينقص من ارزاقهم” فالصادق (عليه السلام) يضع ملامح الدور الواقع على المجتمع في الاندماج والمشاركة في تقويم سلوك الأطفال وبالتالي فان الإمام (عليه السلام) يحدد المسؤولية الجماعية ويشير الى الترابط القائم بين التربية والتعليم فضلا عن ارتباطهما وتأثيرهما على وضع المجتمع الاقتصادي،
ان الانسان خلق بفطرة طاهرة مجبولة على الايمان تتأثر بالمحيط الخارجي والبيئة التي تنشا فيها وتترعرع ولذلك فان العائلة التي ينشا فيها الطفل يستقي قيمه وعاداته وتقاليده منها لذا كان لأهل البيت (عليهم السلام) الحرص الأكبر على ربط الطفل في سني عمره الأولى بالله عز وجل ولعل التكبير في اذن الطفل التطبيق الأمثل لتلك الرابطة ومن ثم تتوالى الدروس لربط الطفل بالله وتغذيته تغذية دينية سوية، لكون ذلك يسهم اسهاما مباشرا في تحديد هوية الطفل وبالتالي فان الهوية الثقافية للأطفال تحدد منذ الصغر لما لها من انعكاس على صورة البلد في المستقبل فالاهتمام بهوية الجيل المعاصر من الاطفال واليافعين ضرورة قصوى اذ ان تغير مفاهيم الأطفال تفضي الى طمس هوية البلدان ذلك ما اكدت عليه المرجعيات عامة ومرجعية السيد السيستاني خاصة بمحضر الإجابة عن سؤال صحيفة الواشنطن بوست عن الخطر الأكبر الذي يهدد العراق فأجابت المرجعية الدينية “طمس هويته الثقافية التي من اهم ركائزها هو الدين الإسلامي الحنيف” ولعل الإجابة كانت بمثابة رؤية لواقع لم يأت بعد وقراءة لمستقبل لم تقع احداثه فهاجس الهوية وطمسها كان ملازما لقراءة المرجعية الدينية لغزو فكري خشته قبل وقوعه لذا شددت المرجعية الدينية على ضرورة ربط المحتضنين بقيمهم الاجتماعية والدينية والأخلاقية الاصيلة عند زيارة وفد مؤسسة العين لها، فقد حرصت على إعطاء المجتمع الدعم الكبير من اجل النهوض بواقع علمي يضاهي البلدان المتقدمة فضلا عن انشاء مؤسسات عديدة تنمي عقول الأطفال وترسخ العقائد الدينية الاسلامية الصحيحة لديهم للحفاظ على هويتهم الثقافية .

أضف تعليق