المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة .

جريدة الأقلام الدولية
International pens newspaper

المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة .


” تَعَلَّموا العربيَّةَ ،وعلِّموها الناسَ ” ـ حديثٌ شريف


إعداد: محمد الجاسم


تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفة ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطَبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين ،إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضمِّ الأغلاط الشائعة.
لذلك أعددتُ لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثينَ حلقةً (رابعة ـ جديدة) من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة (المصور العربي) ،التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).
رمضان العام 1444الهجري
(102)
(التظاهرات السلمية)
ويعنون بها خروجَ المواطنينَ الى الشوارعِ لعرضِ مطالبِهم المشروعة.
لكن في اللغة العربية،(التظاهُر) له مفهومٌ آخرُ،منه (التدابُر)، من الإِدبار أوالأَدبار،و(تظاهرَ القوم)،و(تدابرَ القوم) أيْ ولَّى كلُّ واحدٍ منهم ظَهْرَه إلى الآخر،إمّا عن نفورٍ واستعداء،وإما بغية الإسناد والاستقواء،ولعلَّ هذه الجزئية الصغيرة من تأويل المعنى تتفق مع مفهوم (التظاهرات السلمية)لكنها تبقى بعيدةً عن جوهرِ العربيةِ الفصيح. و (ظَهَرَ) الشيْءُ ،تبيَّن وارتفعَ وعَلا، و(ظَهَرَ) على فلانٍ غَلَبَهُ، و(أظْهَرَهُ) اللهُ على عدوِّهِ ،جعلَهُ غالبًا عليه،و (أظْهَرَ)الشيْءَ بيَّنَهُ وأوْضَحَهُ.
(تظاهرَ) فلانٌ بالكرمِ، ادَّعى ذلك وهو غيرُكريم ،و(تظاهرَ) بالشجاعة وهو غيرُ شجاع.
(تظاهرَ) فلانٌ على فلانٍ،تعالى عليه بالإيذاء والاستعلاء.
قال تعالى:
” إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ” التحريم ـ 4 .
وقال تعالى:
” ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ” البقرة ـ 85 .
وقال تعالى:
” إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ” التوبة ـ 4 .
وورد في المأثور من دعاء الافتتاح:
” اللهم إنّا نشكو إليكَ فَقْدَ نبيِّنا، وغَيْبَةَ وليِّنا، وشِدَّةَ الزمانِ علينا ووقوعَ الفِتَنِ بنا، وتَظاهُرَ الزمانِ علينا، وكثرةَ عدوِّنا وقلَّةَ عددِنا، اللّهمَّ فَفَرِّجْ ذلكَ بفتحٍ منكَ تُعَجِّلُه ونصرٍ منك تُعِزُّه، وإمامِ عدلٍ تُظْهِرُه، إلهَ الْحَقِّ آمينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ “.
وقال أبو العلاء المعرّي:
” تظاهَرُ أبلادُ الرّزايا بظهرِه … وكشْحَيْهِ، فاعذِرْ عاجزاً يتبَلَّدُ “
وعليه، فإنَّ (الاحتجاجاتِ السلميَّةَ) أبلغُ وأفصحُ من (التظاهراتِ السلميَّةِ)!
وَرُبَّ قَوْل.. أَنْفَذُ مِنْ صَوْل

محمد الجاسم

أضف تعليق