قصة قصيرة .. حسرة

قصة قصيرة
حسرة

عبد الستار عمورة


لماذا لا نعرف قيمة بعضنا إلّا في النّهايات..؟،تساءلت وأنا أكابد حزنا لاذعا..
لا جدوى من أشياء تأتي متأخّرة!
تبادر إلى ذهني قصّة الكاتب العالمي انطون تشيكوف وقصّته”ألم” وكيف كان نادما على معاملته لزوجته طوال اربعين عاما،لم يسمعها ولا كلمة طيّبة،أو يأخذها يوما في فسحة أو يشتري لها فستانا جديدا ولا حتّى وردة لتشعر بأنّها روحا بشريّة..!
لقد ماتت في العربة وزوجها العجوز يكلّم نفسه..كان يظنّ أنّه يواسيها وهما في طريقهما إلى الطّبيب.
كنت أتفرّس في وجه صديقي الّذي فقد زوجته الشّابة منذ سنوات حيث عانت وعانت من مرض السّرطان،كان يتكلّم وهو يلوم نفسه ويؤنّبها على تقصيره مع الفقيدة:”ندمت كثيرا على معاملتي لها..ليتني أخذتها في فسحة أو نزهة،أو خرجنا يوما نلتمس الطّبيعة،أو قدّمت لها بعض الهدايا…”كلام مؤلم صاغه في بضع كلمات مع آهات وزفير..
أشفقت من حاله الّذي بدا يائسا ونادما،رتّبت على كتفه:هل تزوّجت بعد المرحومة..؟
-أجل،منذ أربع سنوات
-أكيد خرجتم يوما واستمتعتم بالحياة..!
طأطأ رأسه ولم ينبس ببنت شفّة!
مددت يدي إلى ذقنه،رفعت رأسه:انظر إليّ جيّدا،عمّ كنت تتحدث سلفا..؟!
بقي صامتا كالحجر و كأنّ على رأسه الطّير.
جرجرته من يده،مشينا بضع خطوات على طريق ترابيّ محفوف بأشجار الزّيتون،لامسني دفء غريب..انتشت روحي..ثملت بشذى الأقحوان وشقائق النّعمان مع خرير السّاقية وتغريد القنابر المتواصل ،التفتّ إليه وهو تائه هذه الصّبيحة الرّبيعية مع نسمات شهر أفريل:نحن الآن أطيب روحا وأهنأ نفسا رغم أنّنا لم نصنع شيئا..أليس كذلك يا صاح..؟!
بصوت مبحوح أجاب:
-وهو كذلك أخي الكريم..!
قادتنا خطواتنا إلى النّبع،اغتسلنا وشربنا ماءه الزّلال،تخلٌصت من حذائي وارتحنا على الحشيش الأخضر و”نوار البريّة محاط بنّا من كلّ لون وشذى”،استلقيت على ظهرى موجّها نظري إلى السّماء الزّرقاء الصّافية إلّا من سحائب بيضاء خفيفة ونسور مفردة أجنحتها في الفضاء الفسيح:ليتني كنت واحدا منهم..!قلت في سريرة نفسي..!
قطع غفوتي نقيق ضفدع..اعتدلت في جلستي،كان صديقي مابرح مستلقيا وقد أغمض عينيه..كانت السّاعة قد قاربت الثانية زوالا..نخسته بعود زيتون على جنبه:استيقظ أيٌها الحصان..!
انفزع ممّا فعلت له ثمّ راح في هستيريا من الضّحك وأخذ يردد:”الحصان..الحصان..”، نهض واقفا بعد أن لبس سترته الّتي افترشها،نفض بنطاله ممّا التصق به وقال:هيّا نعود!
تحرّكت قدميّ وأخذت تداعب قارورة ماء فارغة من البلاستيك على طول دربنا..
-ألا تتركها ترتاح وترميها جانبا..؟! لقد مللت من هذا..! قال ذلك بامتعاض شديد..!
استوقفته بعد أن حملتها:هكذا الإنسان ياصديقي،فعندما ينتهي دوره في هذه الحياة ويصبح غير نافع في نظر الأغلبيّة،تتقاذفه الأقدام وتتلاعب به رغم ما قدّمه..ننسى أو نتناسى ولا نفكّر إلّا في أنفسنا وحاجاتنا وهكذا دواليك؛لقد تمرّدنا على كلّ شيء،لا نهتمّ إلّا بذواتنا؛نبكي يوما ندما عندما نقدّم قبلة وداع بشفاه مرتجفة على جبين مصقع.

ردان على “قصة قصيرة .. حسرة”

  1. السلام عليكم
    انا كاتب معروف وسبق وان كتبت في عدة صحف محلية وعربية ولندنية ولدي مقالات جاهزة الآن هل استطيع نشرها بجريدتكم الموقرة .

    إعجاب

    1. طبعا ، بأمكانك النشر وبكل سرور

      إعجاب

اترك رداً على Sami Altameemi إلغاء الرد