المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة

جريدة الأقلام الدولية
International pens newspaper

المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة

تَعَلَّموا العربيَّةَ ،وعلِّموها الناسَ

إعداد: محمد الجاسم

تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفة ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطَبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين ،إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضمِّ الأغلاط الشائعة. لذلك أعددتُ لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثينَ حلقةً (رابعة ـ جديدة) من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة (المصور العربي) ،التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).

رمضان العام 1444الهجري

(117)

العزيز..مَنْ هو؟؟
شاعَ بينَ العامَّةِ والخاصَّةِ ـ أحيانًا ـ أن مفهومَ (العزيز)هو القريبُ الى القلبِ والحبيبُ والصَّدِيقُ و الصَّاحِبُ الرَّفِيقُ، أو مَنْ تَرْبِطُكَ بهِ صَدَاقَةٌ قويَّة، حتى قيل:” رُبَّ أخٍ لك لَمْ تَلِدْهُ أُمُّكَ”، ويقصدون به القريبَ الى نفسِكَ قربًا شديدًا.ولكن، أينَ هذا التخريج من العبارة المشهورة (تدَابِيرِ تَعْزِيزِ التَّعَاوُنِ الدَّوْلِيِّ)،لا بُدَّ أنها تعني (تقويةً) وليس (تحبيبًا).
ولم أجدْ في حدودِ معرفتي المتواضعةِ بالمعاني التي تشير إليها لفظةُ (العزيز) ،سوى المعنى المعروفِ بأنه واحدٌ من أسماءِ الله الحسنى جلَّ وعَلا، وواضحٌ أنَّها ـ بجذرِها من الماضي المجرد الثلاثي ( عَزَّ ) ـ تعني أنه هو الذي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، والشديدُ في انتقامِهِ من أعدائِهِ، وكما جاءَ في الأثر:
” الذي عّزَّ على كلِّ شيْءٍ فقهرَهُ وغلبَهُ، وهو المنيعُ الذي لا يُنالُ ولا يُغالَبُ، وذَلَّتْ لعِزَّتِهِ الصِّعاب، ولانَتْ لقُوَّتِهِ الشَّدائِدُ الصِّلاب، وهو مَنْ يَهِبُ العِزَّةَ لرسولِهِ وللمؤمنين، فمَنْ أرادَ العِزَّةَ فلْيطلبْها بطاعةِ الله، والتمسُّكِ بكتابِه وسُنّةِ نبيِّهِ “.
قال تعالى:
” إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” آل عمران ـ .62
وجاءت (العزيز الحكيم) تِسْعًا وعشرينَ مرَّةً في القرآن المجيد.
وقال تعالى:
” الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا ” النساء ـ 139 .
والعزيزُ عكسُ الذليل، وقيلَ (عَزَّ عَلَيَّ أن تَفْعَلَ كذا) أيْ صَعُبَ، واشْتَدَّ.
رُوِيَ عن الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ،أنه قال:
” ارْحَمُوا عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ، وَغَنِياً افْتَقَرَ، وَعَالِمًا بَيْنَ الْجُهَّالِ “.
والعزيزُ لَقَبٌ لكلِّ مَنْ كان يتولَّى مصرَ مع الإسكندريَّة في العهود القديمة، وسُمِّيَ (عزيزًا) لأنه لم يكنْ ليعلوَ عليه أو ينالَ منه غيرُه.
وعزيزٌ قومه، هو من عزَّ عندهم فاعتزى، ونُسِبَ إليهم فانتسب، إما في الولادة، أو في المصاهرة،كقوله تعالى:
” عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ” المعارج ـ 37.
قال الشاعر البحتري:
” فَكَمْ أَذْلَلْتَ مِنْ رَجُلٍ عَزِيزٍ … وكَمْ أَعزَزْتَ من رَجُلٍ ذَلِيلِ “.
وقال الشاعر ابن الروميّ:
” إنْ أنتَ أعْزَزْتَنِي عَزَزْتُ وإِنْ … أَسَلَمْتَنِي للعِدى وَهَتْ عَمَدِي “.
وقال الشاعر الشريفُ الرضيّ:
” وهيهاتَ ما يُغنى العزيزَ تعزُّزٌ ……………….. فيبقى ولا يُنْجي الذليلَ خُمُولُ “
شكرً لكم أحبَّتي..و(أعزَّكُم) الله جميعًا.

وَرُبَّ قَوْل.. أَنْفَذُ مِنْ صَوْل

أضف تعليق