القصة الكاملة للانقلاب الامريكي على الشيعة
أياد عطية
وسائل اعلام ومحللون سياسيون يتحدثون عن سيناريو امريكي للتغيير في العراق، لا يتوانى بعضهم عن سرد تفاصيل مثيرة لعملية امريكية خاطفة، تبدأ بخطف رؤوس القيادات الكبيرة التي ادارات البلاد منذ سقوط النظام السابق وسحلها في شوارع بغداد، وهذه القصة ليست وليدة اللحظة بل هي قصة جرى اعادة تسويقها مرارا ، وبالتزامن مع كل تغيير حكومي في البلاد، حيث تصف اسماء لرموز سياسية معروفة في قائمة طويلة تنتهي بتدخل عسكري امريكي لالقاء القبض عليهم.
ثمة اتهامات بان بقايا البعث هي التي تصدر هذه السيناريوهات ، لتمنح جرعة امل ، لاولئك الذين ما زالوا يحلمون بعودة الزمن الى الوراء ، يعيد لهم نسخة محدثة لصدام جديد، فكل قصص التغيير ترتكز على امرين القوة الامريكية ، ودور اساسي للبعث في تسلم السلطة من جديد، سواء بتعبير مباشر او غير مباشر.
في الواقع ان العراقيين ولا سيما الشرائح التي تمتلك وعيا سياسيا وثقافيا، لم تعد تتفاعل او تتاثر بهذه القصص، لتكرارها فهي تعود في كل مرة بذات السيناريو مع تغيير يلائم كل مرحلة، لكن البعض قد يتفاعل مع هذه الدراما المعدة باتقان في بلد لم يصل بعد الى مرحلة جيدة من النضوج والاستقرار السياسي، ولم يتلمس طريقه وهو يزيل عقبات كثيرة خلفها النظامين السابق والحالي.
تستند القصة الجديدة التي يجري تسويقها، وتنصب لها موائد النقاشات لترسيخها في العقل الجمعي، على اتفاق بين حكومة السوداني والامريكان، يسابق فيه الاخرون الزمن، لتطويق اية محاولة عراقية للانضمام الى تكتل روسيا والصين وايران، وهذه التحركات بحسب خيال معد السيناريو يمكن رصدها بشروع امريكا بزيادة ملحوظة لعديد قواتها في العراق، وتبدأ مثل السيناريوهات السابقة باسقاط اكبر الرموز السياسية في البلاد ومحاكمتها واعدامها، ثم عقد اتفاق مع حكومة السوداني على تشكيل حكومة جديدة تتكون مناصفة من القوى العراقية الموجودة الان في داخل وبضمنها حكومة السوداني مع قوى المعارضة البعثية ، حيث يمكن ان يمنع البعثيون اية خطوة للعراق باتجاه الحلف الجديد الذي يهدد امريكا.
لا جديد في القصة سوى انها تستفيد من بعض المعطيات المحلية والخارجية لتسويقها في ظل وجود شرائح اجتماعية اعتادت على التهام الشائعات، و التطوع لنشرها ، مهما بدت غير عقلانية وان المستحيل اقرب الى التحقيق منها، ولهذا لا عجب من انخراط مجاميع لا ناقة ولا جمل لها بهذا السيناريو الخيالي، قد يصل الى انعاشه ببعض الافكار التي لم تخطر على بال معديه والمستفيدين من تسويقه.
ومع ان امريكا لم تزد جنديا الى قواتها في العراق كما يزعم المروجون لهذه القصة، كما انها ما عادت تفكر باستخدام القوة العسكرية للبحث عن دور محوري لمواجهة الدول التي تتحدى مشاريعها او تنافسها على السيطرة، للخروج من شرنقة القطب الواحد، وان الدول العظمى لم تظهر اية رغبة في خوض اي صراع عسكري مباشر، فأن الامريكان اليوم احرص من سواهم على عراق مستقر جرى رسم معالمه بمشاركة امريكية، وفضلا عن ذلك فان الامريكان يملكون في العراق اوراقا مهمة تمكنهم من الضغط على اية حكومة عراقية تغنيهم عن استخدام القوة العسكرية في العراق، ثم ان كل الاختبارات الصعبة التي مر بها العراق اثبتت ان الامريكان قبل سواهم يعرفون ان العراق عبارة عن خلطة متوازنة ، واي محاولة لتغيير هذه الخلطة سيفسدها.
والسؤال ما الذي يمكن ان يضيفه العراق الان لاي تكتل دولي يحاول ان يكون ندا للهيمنة الامريكية التي تواجه تحديات الرغبة بالخروج عنها وتشكيل قطب مضاد لها، واذا كان الكلام يجري حول اهمية العراق في سوق الطاقة الذي يمثل احدى ميادين المواجهة، فان العراق يصدر منذ العام 2003 نفوطه الى دول شرق اسيا وخصوصا الصين، ولم نلحظ ان الولايات المتحدة انشغلت بملف بيع نفوط العراق الى الصين او اية دولة.
يتجاهل الكثير ان العراق بنى قوات عسكرية فاعلة، وهذه القوى بعيدة عن منال البعثيين واختيرت عناصرها بعناية، ووفقا لاليات ليس من السهولة خرقها، فضلا عن فصائل عسكرية من الحشد الشعبي تستطيع التدخل، اذا وجدت ان هناك تهديدا للعملية السياسية القائمة في العراق، ان هذه التعقيدات الامنية والسياسية لا تساعد اية ارادة داخلية او خارجية على احداث تغيرات كبرى على المسرح السياسي العراقي.
ان بعض الاوهام التي سوقت الى الناس هو انفتاح رئيس الحكومة العراقية محمدالسوداني على الدول المهتمة بالشان العراقي، ليس من باب اشراكها بالقرار الذي يتخذه، بقدر ادراكه ان العراق جزء من هذه المنطقة والعالم، وانه لاضير من اطلاع هذه الدول على السياسة التي تنتهجها حكومته والتي تركز فيها على الخدمات والاعمار، وبالطبع مناقشة القضايا المشتركة مع هذه الدول خصوصا الولايات المتحدة الامريكية، حيث الهب هذا التحرك خيال معدي قصة الانقلاب الكبير للاستفادة من تحركات السوداني لاسعاف قصتهم بمزيد من الواقعية ليصورا تلك التحركات بانها مفاوضات على خطة الانقلاب الاسطوري.

أضف تعليق