الشموع

الشموع

محمد حسان / مصر


بينما كنت أتأمل في كتابي على ضوء الشموع بليل الشتاء، وعلى أصوات المطر، تراءت أمام عيني راقصات الهوى؛ تتمايل على نغمات الحب التي ترسلها نسمات الهواء، يقوم بعزفها برد الشتاء، يُرسل هواءه لحنا، تهتز له لهبات الشموع المتصاعدة من قلبها فرحا؛ لتضيء المكان، حور تتراقص عشقا إلا أنها ليست مقصورات، تتراقص مع كل نسمة هواء، فهو يغازلها بألحانه، وهي تشاغله بتمايلها، كلما تراقصت من لحنه اجتهد في تتابعه حتى لا تتوقف معزوفته؛ فتظل في نشوتها متبخترة طربا من نسماته المرسلة إليها، فهو لها قيس يعزف لها أشعار الغزل، وهي له ليلى تشدو بقسماتها اللينة يمنة ويسرة، كل ذلك وأنا في غاية العجب من هذين العاشقين المتناغمين، فهو يُقبل عليها ببرده، يهمس لها بمعاني الحب الدافئ؛ فتتراقص له طربا، فيتحول عنها بعد برده لهيبا يملأ غرفتي شجوا، وكلما اشتدت نسمات الهواء شوقا للشموع؛ كلما زادت من حبه طربا وحركة، فتتمايل أشد التمايل، وتنثر عبيرها الدافئ ليملأ أجواء حجرتي بهجةً ونشوة من دفء عشقهما الذي يكتنفني من وجْد تعانقهما؛ وأخذت الشموع من حرارة تعانقها لنسمات الهواء تذوب منه شوقا، حتى تناثر على جوانبها الجُمان، وليدا من ثمرة حبهما، يدون قصة عشقهما؛ رواية تُحكى في كل ليالي الشتاء، رواية تظل ترويها الليالي كلما أدبر صيف وأقبل شتاء ببرده، واجتمع بشموع الساهرين، والعجب من هذا الحب أن تذوب شمعاتي من شوقها حُبًّا لهذه النسمات، فحبها فناء حياتها، فهي بين رجاءين، أن يتوقف الشتاء ولا يرسل نسماته؛ لتظل بكيانها؛ لكن ستظل جسدا بلا روح، وبين أن يُلهبها بنسماته؛ فتظل تهيم حُبا حتى تذوب من وجده شوقا ، ويتساقط منها العمر على جنباتها جمانا، فيا لها من حيرة، ويا لك من حب، أمامك تخف العقول وتطيش مستسلمة، ونظل بين نارين، إما أن نهيم حبا فنفنى، أو نغلق دونك الباب فنحيا، لكن سيكتب علينا أن نحيا جسدا بلا روح، فاختر أيهما شئت بين الفَنَاء حُبا، أو الحياة جسدا.

أضف تعليق