أقلام ما بين سادن وكاهن ..

أقلام ما بين سادن وكاهن

أزمة الادب العربي المعاصر

محمود صلاح الدين

أقسمت منذ فترة ان لا امدح ما تمدحون ولا اذم ما تذمون ، فموضوع اليوم مثله كمثل من يضع يده في جحر الثعابين ، وهذا بسبب ان شخوص في مقالي هذا هم أصحاب الحجة والقلم كما يدعون ، هم ما بين سادن وكاهن وللخوض في هذا الموضوع يجب ان تكون على دراية كاملة في ما يكتب وما يقال في الساحة الأدبية ومنها تستطيع التفريق بين عناصر النص والمؤلف .

وهنا يجب استعراض بعض الأقاويل التي تصب في اصل ما سوف يكتب هنا ومنها ما يعد قواعد في النقد الأدبي وهي الفصل ما بين النص والمؤلف والحقيقة هي من كتب هذا يريد التهرب من الأخلاقيات التي ترد في النص فنرى الكثير من الأقلام تكتب عن الشجاعة بينما صاحب النص هو رمز من رموز الجبن والتخاذل ، وأخرون يكتبون عن الغزل العذري وهم الماجنون في الأرض ، وهذا لا يشمل الأدب الذكوري فحسب وسوف نبين هذا في ما يلي من استعراض شخصيات أدبية دون ذكر أسماء ، وكما يعرف الكثير يقسم الأدب الى الوان عديدة منها (الشعر ، والمسرح ، والرواية ، والقصة بنوعيها الطويل والقصير ، والمقالة بأنواعها ، ونصوص نثرية) وما لا يعرفه الكثير ان كل تلك الألوان لا تخرج اليوم عن نظرية المدح والذم واذا ما اردنا رسم صورة الادب الملامح العربي يجب استعراض الأيدولوجيات التي تتبنها الأقلام اليوم .

الشعر والشعراء

ملوك وعظماء القوم كما يرون انفسهم اليوم ، ولا أقر لهم بهذا ، فلم اسمع من قبل ان احد الشعراء قد تزعم قوما في العصر الحديث ، ومنذ ظهور الشعر في ارض العرب كان هناك ما يعرف بالمدح والذم مع مواضيع عديدة ولكن قد مضى الزمان واختفى ذلك الرونق الذي كان اهم ميزاته الشهرة بين العامة وكان هذا لغاية منتصف القرن الماضي ولكن تبدل الحال وأصبح شاعرنا اليوم يكتب الشعر لذاته فقط ليخفيه عن عيون الناس ليخرجه بعد حين ليطبع كتاب ويأخذ به هوية اتحاد او رابطة للأدباء والغريب ان هؤلاء ذاتهم يشكون من عدم أقبال العامة على ما يكتبون ، ويضعون اللوم على الناس ولكن الحقيقة هو ان الكثير منهم لا يعرفه احد ولم يسمع به من قبل وأكاد اجزم ان امه التي ولدته لا تعرف ان ابنها يكتب الشعر ، ودوما كنت اردد على مسامع الأقلام الشابة ان قبل الشروع في طبعة كتاب يوضع على رفوف المكتبة اصنع لك اسم تبحث عنه البشر في المكتبات وهذا من خلال التواصل مع العامة والنشر في الصحف والمجلات .

المسرح والمسرحيون

وهو اللون الوحيد من الأدب الذي لا تملك العرب تاريخ طويل فيه وهذه حقيقة فترى مسرحنا اليوم مسرح غير مجدي معتمد على الأفكار الغربية في الكتابة او الإخراج فنحن لازلنا في المسرح نخاف المواهب الواعدة فترى الكثير منهم السدنه لأضرحة شكسبير وغيره من الأقلام الغربية في هذا المضمار والغريب اننا لم نكن قادرين على اتخاذ مدرسة مغايرة لما متعارف عليه غير الكوميديا التي تصل الى الإسفاف في الكثير من الأحيان وهذا لا يعني ان هناك أعمال تعتبر طفره في المسرح العربي وتكون من باب الصدفة لا اكثر وحتى ما يعرف بالمسرح السياسي فترى مواضيع المدح والذم فيها بشكل ملحوظ

الرواية والروائيون

وهنا المعضلة الكبيرة فأصبحت مهنة من لا مهنة له ، فالكثير منهم لا يملك القدرة في تحديد شخصيته بين الراوي والحكواتي وبينهم من يبحث في سيرته الذاتية عن مادة للعرض ، بينما هذا النوع من الادب يعتمد على المخيلة بشكل كبير فالغالبية العظمة منهم لا يقرأ شروط كتابة الرواية قبل الشروع في كتابتها ، فيكتفي بما قرأ في الماضي من أعمال أدبية والذي لا يعرفه هذا الكاتب ان الرواية بالأصل كتبت لغرض الإمتاع وليس لغرض التعلم وهنا تكمن المعضلة .

القصة القصيرة وكاتبيها

وانا اعتبر ان هذه النوع من الادب هو الأصعب على مدعين الكتابة وهذا بسبب قضية اختزال الفكرة بسطور او كلمات معدودة ، وهنا تكمن حرفية القلم وصاحبة في توظيف الحدث لخدمة الفكرة ، ولهذا ترى ان الاعداد الذين يزاولون مهنة كتابة القصة القصيرة هم الأقل بين أنواع الادب ويعود الى الافتقار لتقنية الكتابة .

المقال وكاتبه

وهنا كما يقال لنصمت قليلا فبعض المقالات تشعرني بالقرف في بعض الأحيان وهناك نوعية رصدته بين هذه الأقلام وهم المستعرضون الثقافة فيقوم بالكتابة على ضوء ما تم حفظه من عنواوين او مؤلفين ليعطي للقارئ شعور ان الكاتب يمتلك ثقافة عميقة فترى مقالاتهم عبارة عن معرض تاريخي للادب ، والحق يقال ان هؤلاء هم كهنة يرددون ما يحفظون ليعيدوا كتابته بصورة سيئة ومغايرة ، مع العلم ان هذا اللون من الادب هو المضمار الاوسع في اختيار المواضيع ولكن مع هذا تجد الكثير منهم يرجعون المقال الى النوع المقال السياسي فقط في يومنا هذا .

النصوص النثرية وجيوشها

وهم من غير صورة الأدب والأدباء والذي خلط الحابل بالنابل فذهبوا يكتبون بعيداً عن القواعد والمعايير الأدبية تحت الكثير من المسميات فالنص اليوم بسببهم اصبح من الصعوبة تميزه عن سواه ، وكان الامر أشبه بمصطلح (الخرابيط) ويجب الان استحداث لون جديد يحمل هذا المصطلح ، ويرجع الكثير من النقاد لظهور هذا النوع من الأدب هو افتقار موهبة الكتابة وأصرار البعض ان يمتهن هذه المهنة فيجد في هذا الباب مساحة له للدخول لعالم القلم ، وبرأي المتواضع ارجع هذه الفوضى الى طريقة تعامل الناقد العربي مع النصوص فيخذ دوما دور المدافع عن حصن الادبي ، وهذا ما وقع به وكان له نتائج كارثية ، فكان الاحرى به هو مساعدة الأقلام المبتدئة لتبني مضمار معين والابتعاد عن نصب المشانق اللغوية والادبية للنص وصاحبه .

وبعد كل ما ورد هنا يجب تبين بعض الحقائق عن شخصية بعض الأقلام واهم تلك المزايا هو الغرور الاعمى في التعامل مع الاخرين ، وما لا يفهمه الادباء بشكل عام ان ليس هناك شيء يسمى الاديب المتميز ولكن هناك نص متميز وبهذا يخضع النص للنظرية النسبية فما تكتبه الأقلام ليست نصوص سماوية يجب تقديسها ، فهناك الكثير من الأقلام تشهد في فترات معينة عملية ضمور إبداعية وهذه من طبيعيات الأمور .

وفي النهاية أدرك ان ما كتبت لا يرضى عنه الكثير ، ولكن غير مهم لان ما جاء في هذه السطور يجول في خاطر الكثير من أصحاب الأقلام والقراء وكما تعودتم مني ان تكون كلماتي تمتاز بطابع الحدية أقول للكثير (للقلم شروط اذا لم تستطيع ان تعمل بها اكسر القلم وامضي ، فالكتابة من اعظم المهن على سطح هذه الأرض)

أضف تعليق