
المركز الثقافي البغدادي يناقش الانقلاب الفاشل للمجرم ناظم كزار
في أصبوحة الجمعة ١٤ حزيران ٢٠٢٤ وعلى قاعة علي الوردي استضاف المركز الثقافي البغدادي الكاتب الصحفي شامل عبد القادر الذي عرض كتابه عن مدير الأمن البعثي المجرم ناظم كزار لازم العيساوي. وأدار الحوار الصحفي صادق الجمل.
في البداية تناول المؤلف سيرة ناظم كزار (١٩٤٠- ١٩٧٣) وأسرته الكبيرة الفقيرة وإخوانه الأربعة وأخواته الخمس. ودراسته في المسائي وتفوقه العلمي وترشحه لبعثة لكن آثر دخول كلية الطب ليبقى قريباً من تنظيم البعث ، لكن لم يكمل دراسته فيها. بعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ تم تعيين والده كزار لازم مديراً لمعل خياطة شهداء الشرطة.

في مديرية الأمن العامة
في عام ١٩٦٨ تم تعيين ناظم كزار مديراً للأمن ، واتخذ قصر الرحاب مقراً ومعتقلاً وسُمي بقصر النهاية لأن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود. وكان يمارس التعذيب ضد المعتقلين بوحشية وقسوة لم يشهدها العراق من قبل. وقد كلفه صدام بملاحقة واعتقال وتعذيب المعارضين السياسيين وخاصة الشيوعيين والإسلاميين. بينما كلّف سعدون شاكر بملاحقة وتصفية البعثيين المعارضين لصدام.
وأكد المتحدث بأن جميع التصفيات والاعدامات والاغتيالات التي حدثت في الفترة ١٩٦٨- ١٩٧٩ كانت بأمر وموافقة أحمد حسن البكر. ولم يجرؤ صدام على تنفيذ اغتيال أو تصفيات دون موافقة البكر شخصياً.
وحول استخدام أحواض التيزاب قال المتحدث بأنه بعد تهديم قصر النهاية لم نجد هذه الأحواض ، لكنه استدرك بأنه يرجح استخدامها في تعذيب المعارضين ومنهم أحد قادة حزب الدعوة الإسلامية وهو الشهيد عبد الصاحب دخيل عام ١٩٧١ .

الطائفية في حزب البعث
أضاف المتحدث: كان ناظم كزار يعاني من عدة عقد نفسية ، بعضها يعود لطفولته التعيسة ، وأخرى بسبب المعاملة القاسية من قبل كوادر حزب البعث ضده. إذا كان ناظم كزار شيعياً ويتعرض للإساءة من زملائه السنة. وكان يشاهد هذه الظاهرة والإساءة الطائفية تشمل كل الشيعة في حزب البعث.
روى المتحدث أمثلة على هذه الممارسة الطائفية بين كوادر البعث. فذكر مرة أن خير الله طلفاح دخل على اجتماع للمكتب العسكري فوجد البعثي الشيعي محمد فاضل جالساً في الأمام ، فذهب إليه وجرّه من ياقته ناهراً إياه: ولك كيف تجلس هنا؟ اذهب واجلس في الخلف كما يليق بأمثالك. وكان قيادي بعثي آخر يسمي بعثي شيعي اسمه علي عبد الزهرة ، فيكرر عبد الزهرة عبد الزهرة عبد الزهرة ، عدة مرات متتالية استهزاءاً باسمه الشيعي المتميز.
وذكر المتحدث أن صداماً بعد أربعة أيام من نجاح الانقلاب البعثي في ١٧ تموز ١٩٦٨ قد سافر إلى قرية العوجة في ٢١ تموز ١٩٦٧ مصطحباً معه حمايته الخاصة وعددهم أحد عشر رجلاً. وتوجه إلى لزيارة زوج أمه إبراهيم الحسن ، فنزل في داره مع الحماية. وقد تفاجأ إبراهيم بعدد الحماية وقال له ليس لدينا سوى دوشگين للضيوف ، ثم قام باستعارة فراش من جيرانه. وبعد العشاء قام زوج امه يسأل الحراس واحداً بعد الآخر : ما اسمك ومن أين أنت؟ فأجابه أحدهم بأنه عبد الكاظم من البصرة ، وآخر
من الرزنجية من ديالى ، وأخر عبد الحسين من العمارة. عندها التفت إبراهيم الحسن إلى صدام قائلا: يابا هذا الكلام ما ينفع ، لازم تجيب ويلادنا يحموك ، وهذوله أرجعهم لأهلهم.
وحتى المتحدث تعرض للتمييز الطائفي عام ١٩٨٠ عندما عمل في مؤسسة إعلامية. فبسبب وشاية من موظفة شابة ، تم نقل شامل عبد القادر السني إلى كربلاء الشيعية ، ونُقل زميله الشيعي إلى قضاء القائم السني.

الانقلاب الفاشل
وهي محاولة انقلاب نفذها كزار في ٣٠ حزيران عام ١٩٧٣. وكانت الخطة تتضمن قتل احمد حسن البكر في مطار بغداد بعد عودته من زيارة رسمية إلى بولونيا، وقتل نائبه صدام الذي كان من المقرر أن يستقبله في المطار. وحدث أن البكر تأخر عن الوصول لنزوله في بلغاريا لعدة ساعات بعد أن أبلغته المخابرات الروسية كي جي بي أن هناك عملية انقلابية تنتظره في بغداد. واستقبله الرئيس البلغاري جيفكوف ، وأصر عليه بالتجول في مصيف بلغاري.
وكان ناظم كزار ينتظر ساعة الصفر من خلال عناصره المسلحين في المطار ، ويشاهد مراسم الاستقبال التي تبث مباشرة على التلفزيون العراقي. لكن تأخر طائرة البكر وانتقال التلفزيون لنقل وقائع تخرج طلبة جامعة بغداد قد أفزعه ، وهرب المسلحون المتآمرون من المطار. عندها قرر كزار الهرب من بغداد باتجاه منفذ زرباطية مع الحدود الإيرانية. ويبدو أنه كان قد أعد خطة بديلة في حال فشل عملية الاغتيال. إذ أخذ معه وزير الدفاع حماد شهاب ووزير الداخلية سعدون غيدان ومجموعة من التكارتة المقربين من البكر وأكثرهم ضباط كرهائن لحين إتمام عملية الفرار من العراق. تعقدت العملية وحدثت مواجهة مع الهربين فقٌتل وزير الدفاع وجُرح وزير الداخلية.
تناول المتحدث هذه المحاولة وذكر عدة احتمالات وهي:
أولاً: أن البكر وصدام اتفقا على التخلص من ناظم كزار، وأن ذلك يتطلب عملية كبيرة حيث لا يمكن اغتياله في مكتبه أو في الشارع لأنه يتخذ احتياطات شديدة.
ثانياً: أن صداماً اتفق مع كزار للتخلص من أحمد حسن البكر ليصبح رئيساً بعده ، ثم يتخلص من ناظم كزار بتهمة اغتيال الرئيس.
ثالثاً: أن كزار هو المخطط والمنفذ لعملية الانقلاب انتقاماً من قادة حزب البعث الذي كان يتهمه بالانحراف عن مسار الحزب ، وضد الممارسة الطائفية ضد الشيعة.
بعد اعتقاله والتحقيق معه قام صدام بإطلاق عدة رصاصات في منطقة القلب فمات في الحال ، ثم أرسلوا على إخوانه لاستلامه حيث دفنوه في النجف الأشرف. وذكر أحد الحاضرين في الندوة وهو ضابط متقاعد بأنه تم وضع ناظم كزار حياً في مجمدة ، وبعد وفاته أطلق الرصاص عليه ، وادعى أنه كان شاهداً.
كلمة الدكتور صلاح عبد الرزاق
في البداية أثني على شجاعة المتحدث وإشارته إلى الطائفية التي كان حزب البعث يمارسها ، وضرب أمثلة من وقت مبكر من وصوله إلى السلطة. في حين ما زال الكثيرون ينكرونها ويزعمون أنها جاءت بعد سقوط النظام عام ٢٠٠٣ . لقد كنا شاهدين ومن ضحايا الطائفية التي مارسها حزب البعث ضد عائلاتنا ومرجعياتنا وعشائرنا ومثقفينا وأطبائنا ومهندسينا ومحامينا وتجارنا.
ولدينا مذكرات سياسيين وصحفيين بعثيين تناولوا الطائفية البعثية في كتاباتهم مثل هاني الفكيكي في كتابه (أوكار الهزيمة ، تجربتي في حزب البعث) وحسن العلوي في كتابه (العراق دولة المنظمة السرية) وجواد هاشم في كتابه (مذكرات وزير عراقي) وعلي كريم في (مذكرات وزير الخارجية طالب شبيب ) ، وكتاب محسن الشيخ راضي (كنت بعثياً) وطالب الحسن في كتابه (بعث العراق ، ذكرياتي مع فليح حسن الجاسم) وكتابه (بعث العراق من البداية المريبة حتى النهاية الغريبة).
إن كتابة التاريخ السياسي تعرضت للتشويه والوضع والافتراء. كان النظام البعثي يشتري الأقلام الصحفية العراقية والعربية والأجنبية . فقد اشترى الصحفي اللبناني وليد أبو ظهر رئيس تحرير مجلة الوطن العربي لتنشر أخبار نظام البعث منذ منتصف السبعينيات. واشترى الصحفي عسان شربل رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط . كما دفع للكاتب اللبناني فؤاد مطر لإصدار كتابه (صدام حسين السيرة الذاتية) عام ١٩٨٩.
وما يزال كثير من الصحفيين والإعلاميين في القنوات الفضائية والمدونين في وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون معلومات كاذبة وأخبار خاطئة يتلونها من مصادر غير موثوقة ، بل وبعضها نشرها وروج لها حزب البعث.
إن مهمة الصحفي في المقالات الاستقصائية لا تقل عن مهمة طالب الماجستير والأستاذ الجامعي في تحري المصادر الدقيقة قبل نشر المعلومة. إن بعض الكتاب الغربيين أثار ضجة سياسية وإعلامية بمقال أو كتاب تضمن معلومات حقيقية عن أحداث ومواقف لشخصيات سياسية أدت لمحاكتها أو سقوطها مثل كتاب (ووتر غيت) الذي فضح تورط الرئيس الأمريكي نيكسون في التجسس على هواتف الحزب الديمقراطي المعارض.
إن التاريخ أمانة بيد الأقلام المهنية المنصفة التي تكتب بضمير وشعور وطني بعيداً عن الأحكام المسبقة أو النظرة الشخصية للحدث أو للمشاركين في صناعته. فيبتعد المؤرخ والصحفي والكاتب والباحث عن المبالغة في التبجيل أو التقصد بالإساءة لشخص أو زعيم أو طائفة.
يمتلك العراق الآن قرابة أربعة ملايين وثيقة سرية تعود لمخابرات صدام ومديرية الأمن العامة خلال الفترة ١٩٦٨-٢٠٠٣ . وقد تم استعادتها من الحكومة الأمريكية. ويجب أن تكون متاحة أمام الباحثين والمؤرخين لتوفير وثائق حقيقية عن طبيعة النظام وممارساته الوحشية ضد المواطنين العراقيين وغير العراقيين.
في الختام بدأ الحاضرون بطرح اسئلتهم ومداخلاتهم ، ثم تم تكريم السيد شامل عبد القادر بشهادة تقديرية.
أضف تعليق