
من مآسي كربلاء المضيئة .
علي بن جديد
لما أُدخلت الرؤوس على يزيد إبن معاوية ..
كان رأس الحسين (ع) في أولها وقد وضع في (طست) أمامه ، فأخذ يتخطى بقية الرؤوس يتفحصها وهي مرفوعة على الرماح وهو يسألهم عن أصحابها فيجيبونه …
- هذا فلان وهذا فلان …
وبينما هو كذلك إذ لفت انتباهه رأس مهيبة وضعوها في سلة علقوها في عنق الجواد (( وكانت هذه عادة العرب في ذلك الوقت لحمل رأس القتيل الذي لم يهزمه أحد في المعارك … حيث يعلق في عنق الجواد فخرا بقتله )) …
فتسمرت أقدامه أمام تلك الرأس منبهراً ومتعجباً … فقد كان الوجه يشع بالنور والجمال رغم عظيم جراحاته …
إقترب منه وشاهد سهمآ مكسورآ في عينه اليمنى وقد شج العمود هامته بجرح بليغ قاتل … كما نالت السهام والرماح منه بشديد الجراح … - سألهم :
” لمن هذه الرأس ” . - فأجاب أحدهم :
” إنها رأس العباس بن علي “ - قال يزيد :
” وماكان شأنه “ - فقالوا له :
” لقد كان قأئد القلب لعسكر أخيه الحسين … وحامل لوائه ” … - سأل :
وأين اللواء … - فأجابوه :
إنه مع الغنائم أيها الأمير … - فقال لهم :
عليَّ به …
ثم رجع الى مجلسه أمام الرؤوس …
فأتاه إثنان من الجند يحملان اللواء وكانا يتمايلان به يمينآ وشمالا لثقله (( هو لواء أمير المؤمنين … وقد حمله بين يدي رسول الله في ثلاث وثمانين معركة )) .. حتى إنتهوا به إلى يزيد ووضع بين يديه فنظر اللواء وقد هاله مارأى من الضرب والتمزيق وأثار السيوف والرماح والنبال وقد ملأته تلك الندب إلا موضعا”صغيرا”منه بقي سالما وقد طبعت على مقبضه الحديدي قبضة كف أبي الفضل . كانت تلك اللحظة خارج شعور يزيد حيث سيطرت عليه هيبة هذا المقاتل الفريد …
فنهض وقال مقولته الشهيرة التي حملها التاريخ :
(( ” أبيت اللعن عباس …هكذا يُحمل اللواء وإلا فلا )) …
ثم التفت إلى أصحابه وسألهم :
كيف كان قتال القوم ” …
فأجابه الشمر متملقا” كعادة الجبناء … ونطق كذباً بنصر مصطنع يشوبه الغدر والجبن والخيانة
” لقد كانه شربة ماء أيها الأمير “
وأيده خولي بن يزيد الأصبحي قائلا …
” كأنه لقمة طعام “
ثم قال آخر :
” كأنه حلبة صيد يسير ” …
لكن يزيد إنتبه الى فارس يقف قربهم وهو يهز رأسه معترضآ وقد بدى عليه العجب مما يقولون … - فسأله يزيد :
” ماقولك أنت “ - فلم يجب …
- فعاد عليه يزيد :
ماقولك - فقال الرجل :
ألي الامان أيها الأمير - قال يزيد :
” لك الأمان … تكلم ” .. - فقال :
والله لقد برز لنا قوم مرغوا الأرض بدمائنا …
وأشار إلى رأس العباس بن علي وهو يقول :
لما برز لنا صاحب هذه الرأس فررنا بين يديه كالجراد وكنا مابين هارب ومقتول … لقد وقف في الميدان ودعا خيرة أبطالنا للمواجهة فلم يسلم منه أحد …
ثم توجه الى النهر وكشف الكتائب وهزم الفرسان ولم يثبت له أحد حتى ملك الفرات بسيفه … وملأ القربة .. - فقاطعه يزيد سائلا :
وكيف قتل … - فأجابه الفارس وقد طاطأ راسه ألى الأرض …
قتل غدرا …لقد أطلقنا عليه آلآف السهام فلم يرتدع … وأحاط به الجيش بين ضرب السيوف وطعن الرماح ورشق النبال والحجارة … فلم ينكسر …
ولم نتمكن من القربه حتى قطعنا كفيه غدرا …
وبينما هم كذلك إذ علا صوت نحيب وبكاء من بين السبايا …
فإنتبه يزيد لذلك وسأل :
من هذه الباكية …
فقيل له إنها زينب بنت علي بكت لما سمعت موقف أخيها وما جرى عليه …
فما كان من يزيد وقد إنتبه … إلا أن دفع لهم باللواء قائلا …
إبعثوا اليها بلواء أخيها أمامنا لننظر ماتصنع به …
وكان بذلك يريد التشفي منها …
فانتهوا إليها بذلك اللواء …
فلما أخذته ضمته إلى صدرها ووضعت وجهها على مقبض اللواء تشمه وتقبله وتغمره بدموع عينيها وهي تبكي بكاء يشق القلوب ويقرح الجفون وهي تقول :
فداك نفسي ياكفيلي … أين أنت عن أختك …
هذا هو العباس بن علي (ع) … حامل لواء الحسين (ع) وقائد عسكره … كما شهد له أعدائه وقاتليه .
السلام عليك .. ياكفيل زينب (ع) ..
أضف تعليق