
قراءة نقدية في معرض (محمد مرد )
ليث عبد الغني
في يوم ساطع تغمره فرحة المشاركين في قافلة سياحية تضم ادباء وفنانين عرب وعراقيين انطلقت رحلة ممتعة من مركز العاصمة النرويجية أوسلو باتجاه الحدود السويدية حيث افتتاح معرض تشكيلي للفنان العراقي (محمد عيسى مرد). وقد بدات السيارات تتوغل في الغابات الكثيفة التي تخترقها الشوارع. كنا نسمع أصوات المياه المندفعة وهي تنزل من روافد صغيرة نحو البحر النرويجي في جنوب البلاد، حتى وصلنا الى منتجع (هولمسبرو) السياحي شرق البلاد.
كان يوم السبت المصادف ٢٧ من تموز ٢٠٢٤ ساطع تغمره فرحة السائحين النرويجيين المنتشرين حول (فيلا هولمسبرو) التراثية،وقد تحولت الى معرض تشكيلي لرسامين نرويجيين بينهم الرسام العراق (محمد عيسى مرد) والذي احتل معرضه الطابق الأرضي كله.

الفنان محمد مرد
واحتفى جمهور الفنان التشكيلي عيسى بعودته الى النرويج من هنغاريا وافتتاح هذا المعرض الجديد له. ومن تابع رحلة هذا الفنان وجده وهجاً لا ينطفئ من الخلق الفني والحضور الابداعي المكتنز في الرسم التشكيلي. إضافة الى مواضيعه الإنسانية المتشابكة وهي تتجسم وتتشابك بحلوها ومرها لتربط مأساة شعبه وهواجس اهله من الحروب المستمرة. كما وعرف عنه انه يفجر همومه المتراكة وكوابيس سنوات الحرب الذي خاضها مجبرا من خلال تجسيد معاناته في مضامين تلك اللوحات. لذلك كان يعمل دائما ليحول خوفه من العالم المضطرب الذي يعيشه الى أمل زاهر وهو يمدها بألوانه الزيتية من اجل رؤيا اجمل لمستقبل يسوده السلام يحلم به. وقد يعيدنا الفنان بلوحاته الى حالة وجد إنسانية ممتعة تمسك بلحظاتنا وتسترجع بنا الذكريات والحنين للناس الطيبين الذين افتقدناهم، ومن جانب آخر الى حالة تذمر وصراعات عاشتها اجيالنا لسنين طويلة.

ـ من الكتابة الى الرسم.
لقد عرف عن الفنان ابداعه الأدبي وبراعته في تجربة الكتابة. وقد ألف روايتين (اسفار النزيف) و (فصول في الجحيم), اضافة الى مجموعة قصصية صغيرة بعنوان (المراسيم). لكن الكثير من الذين فارقوه لم يعرفوا أسباب هذا التحول الى الرسم. وحين سألته عن هذا الابداع الجديد أجاب: “لقد وجدت الرسم يقتحمني اكثر للتعبير عن ما بداخلي، ثم أصبحت امضي اغلب ساعات أوقات فراغي في المرسم الذي يقع في الغرفة العلوية من منزلي. وعند عودتي من العمل، اشعر باندفاع الى لوحاتي التي لم انجزها. فليس في شتات المهجر مساحة تكفي لكي تضمنا فيها الاماني وتنطلق بنا الى افق بعيد لنحقق احلامنا. لذلك نحاول التعبير عنها وعن خلجات النفس من خلال الفن”.

كان يتحدث هذا الطائر المهاجر من مدينة الناصرية في جنوب العراق عن سخريته من هذا الحزن الذي لفه في الغربة وهو يقول: “إني اعتبر بيئة مدينة الناصرية اساس مصدر الهامي ومرتكز بداياتي. لكن عقلي وذوقي تفتح اكثر على الثقافة الاوربية في النرويج فنفخت في اعمالي روحاً جديدا ميز اعمالي عن الاخرين وخاصة تأثري بصديقي الاستاذ العبقري الرسام التشكيلي “أودنيردروم” الذي يعتبر حالياً من اهم الرسامين في العالم”.
لقد حاورت عيسى قبل عدة سنوات بعد ان اختير اسمه بين اشهر عشرة رسامين لعام 2019. حينها كنت ابحث عن سر تميزه والتصاق روحه بالرسم التشكيلي وتأملاته العميقة في لوحاته. شعرت في داخلي ان هناك ثمة تشاؤم يلفه من الحياة. لكني وجدته الآن اكثر عطاء وتفاؤل وهو ينهي حواره ويجيب على هذا الاستنتاج: “نعم, انا كثير الاحلام والكوابيس التي توقظني وتحرك عملية الرسم في داخلي, لذلك اقاومها بشق الانفس بفرشاتي والألوان لإفتح طريق امامي الى حياة اسعد وافضل”.
قد تعكس ملامح الانسان الخارجية هواجسه الداخلية, وقد تهفو النفس بمكنوناتها من خلال الأسلوب التعبيري الفني.
واثناء الزيارة التقطت المصورة الفوتوغرافية (إيناس البدري) بعض اللقطات الفوتوغرافية ليخرج منها انتاج فيلم فيديو قصير ممزوج بعذوبة التجربة التعبيرية في لوحات الفنان والتي عكست أيضا قسوة مناظر مناظرها لتوثيق النشاط .

أضف تعليق