حوار مع الذاكرة الحلقة ( الثالثة) بين أطياف الزمن وأحلام الشباب..!

حوار مع الذاكرة الحلقة ( الثالثة) بين أطياف الزمن وأحلام الشباب..!

ناجي الغزي

في عالم يتغير بوتيرة سريعة، حيث يمر الزمن كأنه سيلاً جارفاً لا يتوقف، ، ويعيد تشكيل معالم الحياة. وفي خضم تدفقه، تتحول الذكريات إلى قطع متباعدة، تتناثر كحبات الرمال في مهب الريح. أما نحن، فنظل أسرى تلك اللحظات التي شكلتنا، لكننا نراها الآن بعيون تتجاوز مجرد الشعور بالألم.

لذا نجد أنفسنا أمام تدفق مستمر من الأحداث والذكريات. كل لحظة نعيشها تترك بصمتها علينا، وتتحول إلى جزء من هويتنا، لكن مع مرور الزمن، تصبح هذه اللحظات قطعاً متباعدة من الذاكرة.

نعيش أسرى لتلك الذكريات، تلك اللحظات التي شكلتنا، لكنها ليست مجرد ماضٍ نعايشه، بل هي شظايا من تجربة نعيد تفسيرها كلما نظرنا إليها بعين مليئة بالحكمة والتأمل.

قد يكون الشعور بالألم هو الذي سيطر علينا حينها، لكن مع مرور الزمن، يتغير منظورنا لهذه اللحظات. نكتشف أن تلك الآلام كانت جزءاً من رحلتنا، وجزءاً من تشكيل فهمنا للحياة. نراها الآن بعيون تجاوزت حدود الألم، لنصل إلى مرحلة جديدة من التصالح مع الذات. الذكريات لم تعد مجرد عبء نحمله، بل أصبحت دروساً تعلمناها، ومعانٍ عميقة تضيء لنا الطريق في مسيرتنا المستمرة. في هذا السرد المستمر، نتحول نحن وتتغير نظرتنا للحياة وللذكريات التي بقيت في قلب الزمن.

في تلك الأيام البعيدة كانت قلوبنا ترفرف كالفراشات في مهب العواصف، لا تحتمل مرارة الزمن وقسوته. كانت حياتنا مفعمة بأحلام الشباب اللامتناهية، طموحات كبيرة وآمال لا حدود لها. ولكن الزمن وظرفه القاهر كان دائماً عقبة في طريقنا، حائطاً صلباً يوقف موجات أحلامنا الطموحة ويجعلها تتلاطم بلا جدوى.

تلك الأيام التي نعود إليها في ذكرياتنا، كانت أوقاتاً مليئة بالألم والتحديات. كل لحظة كانت صراعاً مع الزمن، ومع كل عقبة تصادفنا، كانت قلوبنا تضيف قسوةً جديدة إلى عبء الأحلام التي حملناها. اليوم عندما نعيد إحياء تلك المشاهد، نجد أن الزمن قد طوى الكثير منها، مغيراً من نكهتها، وجعلها تبدو وكأنها قصص بعيدة.

لكننا رغم مرور السنين وتغيير الطابع الذي اكتسبته ذكرياتنا، نحتفظ بجوهر تلك الأيام. إنها ليست مجرد أوقات مضت، بل هي دروس وحكم شكلت جوانبنا الداخلية. الآن ونحن نواجه تحديات الحياة بأسلوب جديد وبألم جديد وطعم آخر، نعلم أن تلك الأحلام الطموحة التي كانت تصطدم بصخور الزمن هي التي صنعتنا، وأعطتنا القوة لنواجه ما يأتي، بخفة ونضج لم يكن متاحاً لنا في الماضي.

ومع تبدل الفصول وتعاقب الأيام، نجد أن ذكرياتنا رغم تلاشي تفاصيلها وتبدل معانيها، تظل محفورة في عمق أرواحنا كشواهد خالدة على رحلة عمرية امتزجت فيها مرارة النضال بحلاوة الأمل. هذه الذكريات على الرغم من اختلاف زوايا رؤيتها عبر الزمن، تحتفظ بقوتها وسحرها، لتروي لنا قصة لا تنتهي من الصمود والإصرار، وهي تسترجع لحظات الفرح والألم، النجاح والإخفاق، وتعيد تشكيلها في كل مرة كلوحة حية تحمل معاني أعمق وأوسع، لتكون شاهدة على مسار طويل لم يكن فيه الزمن مجرد عابر، بل شريكاً في صنع هذه التجارب وترسيخ تلك الأحلام.

أضف تعليق