
ذوي الهمم مسؤولية الدولة والمجتمع .
تالة الخليل
نهض العراق من بين ركام، الحروب والحصار والصراعات الخارجبة والداخلية التي كان دورها متجليًا في تمزيق النسيج الاجتماعي والنفسي للمجتمع ، مع شعورنا بالخوف المزمن ، في فقدان الأمن والأمان الذي أثقل ماضينا وحاضرنا .
وفي ظل تلك الأزمات ، تناسينا العديد من الضحايا ، خلف ظهورنا ، خلف الجدران البالية العتيقة ، وفي الأزقة والطرقات المنسية .

فهم بلا صوت ، بلا ملامح ، بلا طفولة ، فقد سرقوا منهم كل شئ ، رسمت أحلامهم وآمالهم الشوارع والأرصفة والأهمال المتعمد ، حتى أصبحوا مشردون ، خائفون ، يدافعون عن أنفسهم وأجسادهم المتهرئة من جراء عبث العابثين ، ولهو الفارغين المستهترين ، بالهروب تارة أو الأختباء ، أو تلقي السب والشتائم والأستهزاء والضرب بالحجارة ، وكأنها لغة الحوار الوحيدة التي رسمتها قسوة الناس و الشارع في أذهانهم، .

قبل أن نشرع في تأسيس ( أكاديمية المحاربين الصغار ) واستيراد البرامج المتطورة ، كان علينا أن نبحث معمقا ًوجيدًا في ظل هذه الأزمات ونتاجها السلبي ، على ولادة وتدريب جيل جديد واع ومثقف ومؤمن بالعمل مع تلك الحالات الأنسانية ، يمتلك الشهادة والخبرة والأقناع والأبداع والأنسانية والرحمة .

ركزنا على دراسة تفصيلية للمجتمعات الصغيرة ، وعلى الحالات الموجودة في تلك المجتمعات وأيضا ً على العائلة التي تتواجد فيها تلك الحالة .

فمن خلال التقصي والبحث والدراسة ، وجدنا حالات مؤلمة وقاسية ، فعلى سبيل المثال ، ترى آثار السلاسل والحبال في أيديهم وأرجلهم ، نتيجة عدم معرفة الأهالي في كيفية التعامل معهم والسيطرة على أنفعالاتهم وتصرفاتهم وغضبهم.
ومن هنا وجدنا بأن الخلل ، لايكمن فقط في كيفية تعامل الأهالي ، ولانستطيع أن تلقي الحُجة على هذه الطبقات البسيطة التي تفتقد الى أبسط مقومات العيش، الكريم ، وكذلك المدارس هي الأخرى تفتقد للتأهيل والتعليم المناسب، وضمن كورسات متقدمة مناسبة لتلك الحالات.
بل هو تقصير وأهمال متوارث للأنظمة الحاكمة في كيفية أحتضان والتعامل مع تلك الحالات .

(١٣عامًا من العزلة )
تروي لي إحدى الأمهات قصة ابنتها المصابة بمتلازمة ( داون ) التي قضت ثلاثة عشر عامًا في غرفتها بعيدةً عن شعاع الضوء والشمس ، خوفاً من عيون المارة وتعرضها للاعتداء والسخرية.
برأيكم وتقديركم كيف لطفلة مفعمة بالحياة أن تتآكل وتندثر أحلامها يومًا بعد يوم في حرمانها من التواصل مع الناس ومن إكمال تعليمها وتأهيلها في المدارس؟

إلتحقت هذه الطفلة ( بأكاديمية المحاربين الصغار ) في عام ٢٠١٩ ، واليوم ترتاد المسارح الكبيرة ( كراقصة باليه ) ، فراشة حلقت بأحلامها بعد أن منحناها جناحين صغيرين ، حيث إنها أكملت تعليمها الأكاديمي والمهني و تؤدي اليوم دورها كمدرس مساعد ، و تبين لنا مدى حاجتهم لفرصة واحدة وتشجيع مستمر كافي لتفجير الأبداع والتألق .
ستظل عالقة في ذاكرتي دموعها وهي تردد النشيد الوطني بين آلاف العراقيين ، وكأنها ولدت مرة أخرى وصوتها يصل لكل من حرمها فرصة أن تعيش الأمل بالحياة .

هذه ليست حكاية فتاة، بل مرآة عاكسة لمجتمع عانى من الظلم والأضطهاد وويلات الحروب والصراعات والفتن وكذلك من العادات والقيم البالية في تهمّيش الأفراد وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
لذلك ينبغي أن نفكر معاً ، كدولة ومنظمات ومجمتع ، أن نحمي تلك الشرائح الضعيفة والتي بحاجة الى دعم مادي ومعنوي وتعليم وتدريب ، وكذلك ضرورة أن يأخذ البرلمان على عاتقه سن وتشريع قوانين مهمة ، تؤمن الحياة الكريمة في حق الحماية الأجتماعية والقانونية والصحية والنفسية لهم ولعوائلهم .


أضف تعليق