مسلسل معاوية (الأعمال الاستفزازية) الدراما الرمضانية

مسلسل معاوية (الأعمال الاستفزازية) الدراما الرمضانية

محمود صلاح الدين

المقدمة … معاوية هو مسلسل تاريخي عربي مشترك بدأ عرضه في شهر رمضان عام 2025، يتناول سيرة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية في دمشق، ويستعرض الفترة التي تلت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ثم تولي الخليفة علي بن أبي طالب الخلافة حتى مقتله، وتولي ولده الإمام الحسن بن علي، وتنازله عن الخلافة لمعاوية، وما تلا ذلك من أحداث، بما فيها تولي يزيد بن معاوية (ثاني خلفاء بني أمية) وقتل الإمام الحسين بن علي في كربلاء. كل ذلك يأتي في إطار ما يُعرف في كتب التاريخ الإسلام)**مي بـ”الفتنة الكبرى” وما تبعها. بدأ تصوير المسلسل في يوليو/تموز 2022، ورُصدت له ميزانية ضخمة تُقدَّر بنحو 100 مليون دولار، ليكون بذلك الأضخم إنتاجيًا في تاريخ الدراما العربية. العمل من سيناريو محمد اليساري، خالد صلاح، وبشار عباس، برؤية فنية لأحمد مدحت، وإنتاج “إم بي سي استوديوز” السعودية.

البداية … ليس هناك خير من كلام الله لبدء الكتابة: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} صدق الله العظيم وفي السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة الأعمال الاستفزازية التي تتبناها بعض الجهات من هنا وهناك التي تُعد بمثابة “طبول الفتنة” في العالم الإسلامي، وذلك من خلال الدراما الرمضانية. هذه الظاهرة ليست مقتصرة على طرف دون آخر، بل يتبعها كلا الجانبين، وهنا سنستعرض الدوافع الكامنة وراء هذه الممارسات المشينة.

الاهتمامات … على كل صاحب قلم أن يكون على دراية بمطالب ومتطلبات المجتمع في هذا الشهر الفضيل، لكن ما يحدث في الساحة الفنية اليوم لا يعدو كونه تجنيدًا لبعض الأجندات التي تسعى إلى تغذية النعرات الطائفية. المواطن اليوم لا يهتم بما فعله معاوية أو ما جرى في تلك الحقبة، فاهتماماته المعاصرة بعيدة كل البعد عن مثل هذه الموضوعات.

إذا سألتني عن رأيي في الموضوع، فلن يكون مختلفًا عن أي شخص آخر، لكنني من الذين يؤمنون بأن المسافة بين الحق والباطل لا تتجاوز أربعة أصابع، وهي ذات المسافة بين العين والأذن. وعندما أقرأ التاريخ، لا أعتبره قاعدة لاتخاذ قرارات مستقبلية، بل أراه مجرد حكايات سردية منقولة من مصادر قد تكون غير موثوقة. وهناك مقولة تقول: “إن كثيرًا من الروايات التاريخية غير صحيحة، وما تبقى منها ليس بالضرورة أن يكون هو الصواب”، ما يعني أن التاريخ ليس وسيلة لتغيير الواقع، ولهذا يجب إدراك حقيقة قراءته.

الهدف … إنتاج ضخم، وجيش من الممثلين، وعدد من المؤلفين، ولا أعلم السبب الفكري وراء إخراج مثل هذه الأعمال، التي لا تهدف إلا إلى اللعب على العواطف الجماهيرية من خلال بوابة الدين. إنها حرب قديمة متجددة، وهي إحدى أقسام الحروب الفكرية. فعندما وجد الأعداء عبثية الحروب التقليدية ضد الإسلام، انتقلوا إلى حرب الأيديولوجيات، وهي أخطر الحروب التي عرفتها البشرية. هذه السياسة تتبعها القوى الاستعمارية منذ خمسينيات القرن الماضي، والحق يُقال إنهم وجدوا نصوصًا تاريخية تساهم في تعزيز الفتن بين المسلمين في هذا الزمن.

التحصين الفكري … هو الدرع الوحيد الذي يضمن لك الابتعاد عن سُبل الشيطان. لم يعد الشيطان بالصورة التقليدية التي نعرفها، بل تغيّر في المضمون والشكل، فأصبح يرتدي ملابس معاصرة، كسُترة وربطة عنق، وأحيانًا يرتدي عمامة ويجلس على منبر يخطب في الناس. وإذا لم تكن الصورة واضحة، فالحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة هو الوعي الفكري. بالوعي وحده نستطيع التمييز بين المواد النافعة والمسمومة.

النصيحة … كلنا “زرع الموت” كما يُقال، وما سيبقى هو وجه الله وعملك الذي يتنوع بين القول والفعل، فحسّن عملك، لأنك ستدرك في يوم من الأيام حقيقة ما أنت عليه. تذكّر أن كل من على الأرض اليوم نائمون، والاستيقاظ الحقيقي سيكون عند لحظة الموت، حينها فقط سترى الحقيقة. أسأل الله لكم أن يكون استيقاظكم قبل الموعد المحتوم، تيمّنًا بقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.

كلنا ميتون يومًا ما، لكن الفارق بين الصالح والفاسق هو أن الفسوق لا يقتصر على الأفعال، فقط بل يشمل السبّ والشتم لأشخاص لا نعلم عنهم شيئًا سوى ما كتبه من سبقونا، ومصداقية تلك الروايات محل شك. فامسك لسانك، واعلم أن ما يكبّ الناس على وجوههم يوم القيامة هو حصاد ألسنتهم، والعياذ بالله.

النهاية … ما نحتاجه اليوم ليس أعمالًا تروي لنا ماذا فعل فلان أو قال علّان، بل نحتاج إلى أعمال تزرع الأمل بغدٍ أفضل في نفوس الناس. لذا، يجب الابتعاد عن كل ما يفرقنا، فالفتنة قد أشعلت لسنوات طويلة، والأقلام لا تزال تغذيها من كلا الطرفين. حالنا اليوم كحال من يبصق تجاه السماء، فلا يعود عليه إلا ما بصق، والنتيجة هي تشويه صورة الإسلام أمام العالم. والعياذ بالله.

أضف تعليق