
تحرير ام تدمير .
ا.د.ضياء واجد المهندس
تم الكشف مؤخرًا عن تفاصيل وثائق تتعلق بمشروع قانون قدّمه النائب الجمهوري ” جو ويلسون ” ( عراب التغيير في سوريا ) إلى الكونغرس الأمريكي، يحمل عنوانًا لافتًا: ” قانون تحرير العراق من إيران “.
يهدف هذا المشروع إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني العراقي من خلال إنهاء ما يعتبره “سيطرة إيران” على النظام السياسي، وتفكيك الفصائل المسلحة، وحل (هيئة الحشد الشعبي)، إضافة إلى ربط المساعدات الأمنية الأمريكية بتحقيق هذه الأهداف.
يثير هذا القانون تساؤلات استراتيجية عميقة حول دوافعه، وإمكانية تطبيقه، وتداعياته المحتملة على استقرار العراق والمنطقة.
تتركز الأهداف المعلنة والسياق الاستراتيجي للقانون على :
- تقويض النفوذ الإيراني المتجذر في البنية السياسية والأمنية و الاقتصادية العراقية منذ عام 2003، والذي تراه واشنطن تهديدًا لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.
- تفكيك البنية الأمنية الموازية
المتمثلة بالفصائل المسلحة أو مايسمى ( فصائل المقاومة )، بما فيها تلك المنضوية في ( هيئة الحشد الشعبي )، والتي تُعتبر أمريكيًا أدوات للنفوذ الإيراني وتحديًا لسلطة الدولة العراقية الرسمية. - إعادة هيكلة النظام السياسي
بواسطة إزالة (الفصائل المسلحة ) وأحزابها من الموؤسسات الحكومية، سعيًا لتغيير ميزان القوى السياسية المعارضة لإيران . - استخدام أدوات الضغط المالي و الاستخبارات
عبر تفعيل القدرات الاستخبارية الأمريكية لكشف ” قمع إيران و اذرعها للمعارضة العراقية “، ما يفتح الباب أمام استخدام أدوات ضغط متعددة قانونية و عقوبات . - اعتماد المساعدات الأمنية كورقة امريكية على الحكومة العراقية، و تحديد مدى التزام الحكومة العراقية بتنفيذ هذه السياسات، ما يجعلها أداة ضغط مباشرة على الحكومة. المشروع يمثل عودة الاهتمام بالعراق في ظل استمرار التنافس الأمريكي-الإيراني على النفوذ في الشرق الأوسط، ويمثّل انعكاسًا لاتجاه داخل (الحزب الجمهوري) نحو سياسة أكثر صرامة تجاه إيران.
وبغية تحليل الجدوى والتحديات العملية للقانون وكونه قانون ( تدمير و ليس تحرير ) وذلك بسبب انتهاك القانون للسيادة العراقية ، كونه
يمثل تدخلًا مباشرًا في شؤون دولة ذات سيادة، ما سيقابل برفض واسع من مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والدينية ، حتى من الخصوم التقليديين لإيران، بالإضافة إلى أنه يعقد المشهد العراقي
كون النفوذ الإيراني و اذرعها من (الفصائل المسلحة) ليست كيانات مفروضة خارجيًا، بل هي جزء من البنية الداخلية المتشابكة، ما يجعل تفكيكها مسألة معقدة تحمل مخاطر كبيرة.
ويعتقد كثير من الخبراء على ضعف الرؤيا في تقدير قوة (الفصائل المسلحة) ،و التي
تمتلك خصوصًا (الحشد الشعبي)، قدرات عسكرية وتنظيمية كبيرة، وقد اكتسبت شرعية من دورها في مواجهة داعش ومن تشريع قانوني عبر البرلمان العراقي.
أن من غير المتوقع وقوف إيران مكتوفة الأيدي في حال تمرير القانون، لأنها ستلجأ على الأرجح إلى تصعيد دعمها لحلفائها في العراق واستخدام أدواتها لتعطيل تنفيذ القانون الامريكي.
وبالرغم من تفاؤل الكثير من المعارضين العراقيين في تشريع القانون كما حصل لقانون مماثل اعتمده الكونغرس الأمريكي في زمن (صدام حسين) ، إلا أن الانقسام الأمريكي الداخلي كبير ، لان من غير المؤكد أن يحظى المشروع بدعم كامل داخل الكونغرس أو الإدارة الأمريكية، بالنظر إلى التداعيات المحتملة على الاستقرار العراقي ومصالح الولايات المتحدة ذاتها.
و لازال جزء من فريق ترامب الحكومي يتفادى
زعزعة استقرار العراق لان بدلًا من تحقيق “التحرير”، قد يؤدي المشروع إلى تفاقم الانقسامات الداخلية، وربما إشعال صراعات طائفية أو عرقية جديدة والذي يدفع
الى إضعاف مؤسسات الدولة
نفسها، لا تقويتها، خاصة إذا لم يُقدَّم بديل وطني موحَّد ، ومنظومة سياسية موثوقة الولاء للإدارة الأمريكية .
وينظر فريق ترامب إلى تجنب
تصاعد العداء للولايات المتحدة في هذه الفترة لان معظم القوى العراقية تنظر إلى القانون كأداة تدخل وهيمنة أمريكية، ما سيؤدي إلى ردود فعل سلبية شعبية وسياسية تعزز من الخطاب المعادي لواشنطن.
كما أن اثاره المتمثلة في
التصعيد الإقليمي سيكون بمثابة إعلان حرب باردة جديدة في المنطقة، وترد بتصعيد على أكثر من جبهة في اليمن، ولبنان و الخليج العربي.
ويدفع خبراء المراكز الاستراتيجية في امريكا إلى أن تشريع القانون قد يؤدي إلى تعطيل جهود مكافحة الإرهاب ، حيث أن
أي اضطراب داخلي واسع في العراق قد يهيّئ بيئة مثالية لعودة تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة.
المهم ،،
مشروع “تحرير العراق من إيران” يعكس رؤية أمريكية ذات طابع حزبي (جمهوري ) تسعى لإحداث تغيير جذري في موازين القوى داخل العراق.لكن أهدافه، رغم وضوحها، تتجاهل واقع التعقيد العراقي، وتمثل تدخلًا في السيادة الوطنية، وتحمل في طياتها مخاطر استراتيجية تفوق أي فائدة محتملة.
و الاهم
إن دعم المسار الداخلي العراقي و تنشيط الرقابة و مكافحة الفساد ، و تعزيز سيادة الدولة، وإصلاح شامل ل موؤسساتها بشكل تدريجي، وبمساعدة و رقابة دولية متوازنة ومحايدة، يبقى الخيار الأمثل الذي يحفظ الاستقرار ويخدم المصالح الإقليمية والدولية على حد سواء.
اللهم احفظ العراق وأهله المستضعفين
و انصرنا على الظالمين المتكبرين
أضف تعليق