تجربتي مع العربان .

تجربتي مع العربان .

عدنان أبوزيد

عشتُ أكثر من عقدين في الغربة، حيثُ تجوّلتُ في غابات المنفى، بين جحورها المظلمة وساحاتها المفتوحة، أرصدُ وجوهًا يتناوب عليها الغرور والانكسار.

رافقتُ “الشخطات” العقلية للسوري واللبناني، السوداني والمصري، الليبي والخليجي والصومالي والمغربي والجزائري والعراقي..

طيفٌ عربي يتكرر بملامح مختلفة وصوت واحد يصرخ من عمق الأوهام.

كلهم يرقصون على نغمة أسطوانة مشروخة، كأنها نُقشت على جدران العقل المتحجر منذ قرون: أمتهم “خير الأمم”، وشعوبهم “سيّدة الشعوب”.

وإذا سألتَ عن سبب الخيبة، تراهم يصوبون سهامهم نحو الغرب “الكافر”، بحسب القاموس الاسلاموي أو “الامبريالية”، أو “الماسونية العالمية”، بحسب ادبيات القوميين واليساريين.

لكنهم في العمق، كلهم هاربون من جحيم أوطانهم، من جلودهم التي ضاقت بهم، من تقاليد تشدّهم كأغلال، غير أن الكبرياء الفارغ يمنعهم من الاعتراف.

ليبي يتبجّح وهو يلوك مفردات صحراوية خشنة، كأن الرمال في حلقه: “بلدنا عمق العروبة في إفريقيا ولهذا تم استهدافه لقتل الأمة!”.

سوري سلفي، عالق في خرافات الزمان، يقول بثقة جنونية: “المؤامرة تطاردنا، كي لا يعود زمن الفتوحات!”.

سوداني نحيل كالقصيدة الحزينة، يبرز صدره من الجوع، ويتحدث عن السلة التي لم تمتلئ يومًا: “بلدي سلة غذاء العرب ولهذا لا يسمحون لنا بالتطور!”.

يمني مشرد، يحمل على كتفه سرًّا من النوع الذي لا يُروى: “الغرب يكرهنا لأننا أول من آمن بالإسلام!”.

مصري ينفث دخان النرجيلة كمن يرسل رسالة كونية، ثم يبحلق: “إنهم يخافون أم الدنيا، لأن جيشها سيكتسح إسرائيل في يومين!”.

جزائري يرقص مع أشباح النفط، يهتف من قلبه: “غازنا يُحرّك مصير الكواكب!”.

سعودي أصولي، يشير إلى مكة كمن يعلن معركة كونية: “الأقمار الصناعية ترصد طاقتها الروحية على مدار الساعة، إنهم خائفون منا!”.

صومالي محفور الفقر على وجهه كأخدود: “نستطيع قرصنة حتى حاملات الطائرات”.

وعراقي نرجسي، يمشي وكأن الأرض تفرش له المجد: “ليش، لولا نحن هل عرفوا القراءة والكتابة؟”.

كلامٌ منتفخ كالفقاعات، يلمع للحظة ثم ينفجر، خزعبلاتٌ تتراقص على أوتار عقل اتكالي، ينتشي بالوهم ويهرب من الواقع كمن يطارد سرابًا في صحراء لا تنتهي.

كبرياءٌ فارغ، كقلعة رملية تذروها الرياح في أول زفرة.

ملاحم بلا واقع، وأصوات بلا سيوف، وعقول تمكث خارج العصر، كأنها ضلت طريقها إلى المستقبل.

يتفاخرون بأوطانهم وهم هاربون منها، لاجئون تحت جناح “التنين” الذي يلعنونه في النهار، ويأكلون من مائدته في الليل.

العربي يعشق التبجّح: صوته يزلزل الجبال، وهمّته مدفونة تحت الرمال.

في المقابل، يبني الغربي عالما من زجاج وفولاذ، مدنًا تتلألأ كالمجرات، ولا يتكلم كثيرًا.

أما العربي، فينسج أساطيره بلسان طويل طويل، عن “سلة الغذاء” و”محور الكون”، ثم يمدّ يده للمعونة واللجوء.. كأنه ملكٌ فقد مملكته، وراح يتسول من العابرين.

باللهجة العراقية ( عقلٌ ماكو ) . أي ( غياب العقل )

وما تبقى، فانتازيا لا تصلح حتى لسيناريوهات الكرتون.

أضف تعليق