
((من تلمعه الشمس… تكسره العتمة))
شيماء حسين/العراق
في حضرة الزمن، لا يبقى شيء على حاله
تمضي الأعوام كما تمضي الرياح فوق سطح البحر، تغيّر الملامح، وتكسر المرايا التي طالما خدعتنا بانعكاساتنا الجميلة تمرّ السنين، فلا يبقى من الوجه نضارته، ولا من العين بريقها القديم، ولا من الجسد مرونته المعهودة
كلّ ما هو خارجيّ زائلٌ بطبيعته، يتآكل بصمت مع كلّ شروق شمس وغروبها
لقد اعتاد الناس تمجيد الجمال الخارجي، وأصبح معيارًا للحضور، ووسيلة للقبول، وبابًا للفرص فكم من الأبواب فُتحت لأجل وجهٍ جميل، وكم من العقول أُهملت لأنها لم تلمع ببريق الملامح لكن الحقيقة أن هذا الجمال المرئي، مهما بلغ من الكمال والفتنة، لا يصمد أمام مرآة الزمن فهو جمالٌ وقتيّ، مؤقّت، هشّ كزجاجٍ تلمعه الشمس، ثمّ تنكسر صورته عند أول عتمة إن مرور الوقت لا يكتفي بإزالة الطلاء الظاهري للجمال، بل يسلّط الضوء على ما هو أعمق: جمال العقل والفكر.
العقل هو الجزء الذي لا يشيخ، بل هو كالنبيذ المعتّق، تزداد قيمته ونكهته مع كلّ سنة تمضي في الوقت الذي تذبل فيه الورود التي نزرعها على وجوهنا، تتفتّح الورود التي نزرعها في أذهاننا جمال العقل ليس صامتًا، بل ناطقٌ في كلّ فكرة، وفي كلّ موقف، وفي كلّ حوارٍ يتّسع لأفق الآخر.
إنه الجمال الذي لا يُصنّع، ولا يُجمَّل بمستحضرات، ولا يحتاج إلى ضوءٍ مناسب كي يُرى هو الجمال الذي يفرض نفسه في المجالس، ويُوقره العقلاء، ويشتاق إليه المحرومون من عمقه كم من إنسانٍ عاش حياته معتمدًا على ملامحه، وحين عبث الزمن بها، انطفأ حضوره، وغابت قيمته.
وكم من آخر كان خافت الوجود في شبابه، ثم أضاء عقول الناس في شيخوخته بما حوى من علمٍ وفكرٍ وتجربة إننا عندما نبحث عن صحبةٍ دائمة، وعن حبٍّ لا يذبل، وعن أثرٍ لا يُمحى، لن نجد شيئًا يضاهي جمال العقل.
هو الذي يصنع الحوار، ويرتقي بالعلاقات، ويمنحنا القدرة على الفهم والاحتواء والعطاء.
هو الجمال الذي لا يحتاج إلى مرآةٍ تُظهره، بل إلى لحظةِ إنصاتٍ كي نكتشفه الزمن أصدق مرآة، لأنه يكشف ما حاولنا إخفاءه، ويمحو ما كان زائفًا، ويُبقي فقط على الجوهر الأصيل.
فلا تبنِ ذاتك على ما يتآكل، ولا تراهن على ما يفنى، بل ازرع في عقلك، واسقِ فكرك، وزِد من نضجك ففي آخر المطاف، سيكون جمالك الحقيقي هو ما تُقوله، لا ما ترتديه،
هو ما تفعله، لا كيف تبدو،
هو من تكون حين تغيب عنك كلُّ زينة، ويبقى فقط: أنتَ وعقلك وأشياء زرعتها بك كبرت معك وصارت أرضك.
أضف تعليق