
شروط الصحة والسلامة – ألية تأسيس جهة رقابية .
(حادثة انهيار جسر العطيشي في مدينة كربلاء)
همام الشريفي – معماري استشاري ومدير مشاريع في وزارة الصحة البريطانية .
حوادث متكررة:
تتكرر حوادث الحريق والانهيار الانشائي في العراق خلال السنين الماضية ويذهب ضحيتها عدد من الضحايا الأبرياء بالإضافة إلى حصول حالات عوق دائمي للبعض الاخر. في كل من هذه الحالات، يكتب العديد من اهل الاختصاص الهندسي او من المهتمين بالشأن الاعلامي عن هذه الحوادث المؤسفة على وسائل التواصل الاجتماعي وهم غالبا يوجّهون أصابع الاتهام إلى منظومة الفساد المالي ويبحثون عن المسؤولين الجناة في هذه الحوادث.
وضع استراتيجية:
علينا ان نغادر أسلوب ردة الفعل المباشرة القصيرة الامد والانفعال العاطفي الذي يهفت سريعا مع تقادم الزمن، و نبدأ بأعمال العقل في وضع استراتيجية متكاملة لتحقيق شروط الصحة والسلامة في قطاع الإنشاءات بما يخص العاملين والشاغلين والمستفيدين والمستخدمين، وذلك بتوفير الية فاعلة للرقابة لغلق كافة ابواب الفساد المالي وتحديد المقصرين وتعيين مواطن الضعف في التصميم الهندسي او عدم مطابقة المواصفات البنائية للمعايير العالمية الرصينة.
مقالات سابقة:
لقد كتبت العديد من المقالات وأقمت حلقات وندوات بحثية على النت حول موضوع سلامة المنشآت ومنها على سبيل المثال:
١- ندوة على زووم: لصالح رابطة الاكاديميين العراقيين في بريطانيا بتاريخ ٤ تموز ٢٠٢٠
(العمارة العراقية – بين العالمية و المحلية)
٢- ندوة على زووم: لصالح رابطة الاكاديميين العراقيين في بريطانيا بتاريخ ١٤ شباط ٢٠٢٣
(تصاميم الابنية المقاومة للزلازل)
٣- مقالة على “صوت الاكاديمي” الصادرة في لندن في تموز ٢٠٢٣
(الابنية المقارنة للزلازل -توازن بين الهندسة المعمارية والانشائية)
٤- مقالة على اندبندنت عربي بتاريخ ٥ آب ٢٠٢٣
(واجهات المباني بالعراق مفاعل حيوي لتنشيط “موجة القيظ”)
٥- – مقالة على اندبندنت عربي بتاريخ ٢ تشرين الاول ٢٠٢٣
(7 الاف مشروع مخالف في العراق تعزز المخاوف من تكرار كارثة الحمدانية)
٦- ندوة على النت- لصالح جمعية الاعتماد العراقية لتطوير المناهج التعليمية بتاريخ ٢٨ كانون الثاني ٢٠٢٤.
(مخاطر الحريق و أساليب الحماية)
٧- ندوة في معرض “بين ثقافتين” المقام في الرياض في كانون الاول ٢٠٢٤.
(تاريخ العمارة المعاصر في العراق – بين الرمزية الجمالية و المعالجة المناخية)
٨- مجلة المستشار الدورية (توزع على الوزارات و الجامعات العراقية) بتاريخ ايلول ٢٠٢٥.
(هندسة الحرائق بين النظرية و التطبيق – مناشئ خطر الحريق وأساليب الوقاية)
التوصية الأساسية:
بما ان قطاع الإنشاءات هو المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد العراقي، يتوجب التفكير بتاسيس هيئة رقابية جديدة تعنى بشروط الصحة والسلامة تشبه الهيئات القضائية وتكون مدعومة بجيل جديد من المقاولين المهنيين في الاعتماد على المعايير البريطانية والاوربية والأمريكية (كونها الأفضل في العالم) في وضع المواصفات مع توفير غطاء قانوني لهذا النشاط الاقتصادي الحيوي وذلك بتوظيف قطاع التامين لضمان نوعية المنتج البنائي وحماية كل من المستثمر والمستخدم على حد سواء.
نظام الصحة والسلامة:
ان “نظام الصحة والسلامة” يشكل المظلة الكبيرة لضمان حياة الإنسان و ديمومة صحته و سلامته في اماكن العمل والسكن وصلاحية البيئة الحاضنة بما يؤمن استمرارية الحضارة البشرية امام تحديات التلوث البيئي والاحتباس الحراري في الجو وارتفاع درجة حرارة سطح الارض وارتفاع مناسيب مياه البحر واضطراب الجو بالأعاصير المدمرة وضعف الضوابط الصناعية في انتاج السلع المعمرة والاستهلاكية بسبب الحروب التجارية بين الغرب والشرق.
تحت مستوى هذه المظلة، تأتي القوانين البنائية وأنا شخصيا افضل هذه التسمية على مسميات المقاييس او الضوابط لان كلمة قوانين تدل على “الحسم والفرض القانوني” و تشير بكل وضوع إلى ضرورة وجود الية للمراقبة من خلال تهيئة طبقة مهنية جديدة تسمى “بمفتشي القوانين البنائية”. و ضمن تصوري الشخصي، اعتقد جازما ان انشاء “هيئة لقوانين البناء” يجب ان ترتبط بقمة الهرم الإداري واعني مجلس رئاسة الوزراء لأنهتخصص عام ولا يقترن بمصالح وزارة معينة ويجب ان يتسم بالحيادية المطلقة.

القوانين البنائية:
ان القوانين البنائية تمثل محورا مركزيا لمكافحة و إيقاف منظومة الفساد المالي والتساهل في المواصفات العالمية في انشاء كل من البنى التحية والفوقية على حد سواء وتشمل:
١- متانة المنشأ الهندسية.
٢- سلامة التربة من الملوثات و غاز الميثان.
٣- وجود مواد سامة او مسرطنة في مواقع العمل و مكونات البناء.
٤- العزل الصوتي للأغلفة الخارجية والداخلية.
٥- أنواع التهوية الطبيعية والميكانيكية.
٦- نظام المرافق الصحية و تدفئة المياه وترشيد استهلاك المياه (فوق سطح الارض).
٧- نظام الصرف الصحي و أسلوب تصريف مياه الأمطار (تحت مستوى الارض).
٨- اجهزة توليد الحرارة و مخازن الوقود.
٩- التصاميم المانعة والرادعة للسقوط من ارتفاعات عالية.
١٠- أساليب ترشيد الوقود واستخراج الطاقة والعزل الحراري للأغلفة .
١١- تصاميم الدخول و الوصول الخارجي والحركة الداخلية داخل المنشآت (بما يشمل المعوقين و المرضى).
١٢- استعمال النوافذ والزجاج ومواصفات مقاومة الارتطام ونظم التنظيف الداخلي والخارجي.
١٣- التدفئة المفرطة وارتفاع درجة الحرارة داخل المنشأت .
١٤- سلامة التأسيس والربط والتوصيلات الكهربائية.
١٥- تحقيق اعلى درجات الامان ضد السرقات والاعمال الارهابية.
١٦- تجهيزات نظم الاتصالات الرقمية ضمن حدود المنشأ.
١٧- تجهيزات شحن السيارات الكهربائية وخزن البطاريات الكهربائية.
١٨- ضوابط الحرفية والإتقان للعمال القائمين ببناء او تطوير المشروع .
ضمن “اللائحة التعريفية” لفصول المطابقة مع القوانين البنائية يتبين لنا ان صيانة الغلاف البنائي وحمايته من اخطار التصدع الانشائي او التعرض للحريق والظروف الجوية القاهرة هي من اهم التفاصيل المرافقة لعمليات “التصميم والبناء والإشغال”.
مادة الكونكريت:
في موضوع المشاريع الهندسية الكبيرة، هناك ضوابط تتعلق بمواصفات حديد التسليح ونسبة الأملاح في الصب الكونكريتي ومواصفات مادة الإسمنت والتفاعل الكيمياوي في درجات حرارة مسيطر عليها عند الصب ووجود مختبر انشائي لفحص مكعبات الكونكريت قبل الصب وعمليات الشد والسحب لحديد التسليح ووجود كادر فني متدرب لتنفيذ هذا النمط من البنى التحتية.
لتامين منتج كونكريتي مطابق للمواصفات العالمية، يجب تطوير المختبرات الإنشائية وادخال كوادر العمالة المتخصصة دورات تدريبية مكثفة، حيث ان ارتفاع درجات الحرارة في العراق يشكل عائقا اساسياً في سلامة التفاعل الكيمياوي للكونكريت المصبوب حديثا وجفافه السريع بما يقوض مواصفاته في التماسك والقوة والصلابة.
قصة حقيقية:
في ثمانيات القرن الماضي تفاجأت بإصابة صديق لي بالعمى في كلتا عينيه، وقررت حينها زيارته في منزله للاطمئنان عليه. لقد كان هذا الصديق عميداً لكلية الهندسة في جامعة البصرة ويدير فريقا بحثيا لانتاج نوع خاص من مادة الكونكريت ذات مواصفات فريدة في القوة وسرعة التصلب ومقاومة درجات الحرارة العالية عند التفاعل الكيمياوي. لم افهم السبب في البداية ولكن تبين لي فيما بعد ان افراد الفريق كانوا يرتدون أقنعة والبسة غير مطابقة لاغراض مقاومة المواد المشعة المستخدمة في تلك التجارب المختبرية، وقد كانوا جميعا من حملة الشهادات العليا من خارج العراق. باختصار، توفى جميع افراد الفريق البحثي نتيجة اصابتهم بالسرطان ولحقهم صديقي العزيز مع معاناة جسدية ونفسية مؤلمة.
ان اي منتج حضاري او علمي او انشائي يدفع فيه الانسان حياته او صحته مقابل انجازه، فهو يعد جريمة اخلاقية يتحملها المجتمع او الدولة في سلسلة المسؤوليات القانونية على مستويي الحق المدني والجنائي.
قطاع التامين:
ان دخول قطاع التامين في العراق يعد ضرورة حتمية لتعزيز البنى التحتية والفوقية ودعم ثقة المستثمرين والشاغلين والمستخدمين لهذه المنشآت. ان الاعمار الافتراضية للمنشآت البنائية في العراق تعتبر قصيرة للغاية مقارنة بمثيلاتها في الاقتصاديات المتقدمة، وقد يكون احد هذه الأسباب هو افتقادنا لقطاع التامين في فرض الشروط الصارمة منذ مراحل التصاميم الاولية وحتى مراحل الإكمال والإشغال.
اود ان انوه إلى ان مخططي المدن والمجمعات الحضرية لهم دور آخر في صيانة البنى التحتية والفوقية وسلامة منشآتها ومكافحة الحريق من ناحية تأمين المسافات الفاصلة بين الكتل الانشائية وتخطيط طرق تسلكها آليات الدفاع المدني في حالات الطوارئ. بالمناسبة فان توزيع محطات الدفاع المدني وإشراكهم في ورش التصميم الهندسي و المعماري الاولية يعتبر عامل حاسم آخر لاقامة منشآت آمنة من ناحية مكافحة الحريق.
دعوة مخلصة:
من خلال هذه المقالة، اوجه الدعوة لكافة المؤسسات الاكاديمية والجامعات والمنظمات المهنية لوضع خارطة عمل حقيقة باتجاه تأسيس “هيئة للقوانين البنائية” في العراق بحيث يتم رفدها بكوادر كفوءة من “مفتشي القوانين البنائية”. دعونا نخطط للمستقبل بخطى ثابتة مستفيدين من التجارب و الخبرات العالمية.
ان الخطأ الهندسي يمتد إلى الحياة العامة للمجتمع وقد ينهي حياة اعداد كبيرة من البشر او يحيلهم إلى معاقين من ذوي الحاجات الخاصة وقد يذكر على مدى اجيال متتابعة، بينما ينحصر الخطأ الطبي بشخص المريض حصرا او يذهب معه إلى قبره.

أضف تعليق