
هشاشة الدولة العراقية وفق المقاييس العلمية .
د.ضياء واجد المهندس
تُعدّ هشاشة الدولة إحدى المفاهيم الأساسية في الدراسات السياسية والتنموية، إذ تعكس قدرة الدولة على القيام بوظائفها الأساسية: احتكار العنف المشروع، توفير الخدمات العامة، ضمان سيادة القانون، وإدارة الموارد بكفاءة. العراق يُصنَّف منذ عام 2003 وحتى اليوم ضمن الدول الهشة أو شبه الفاشلة وفق مؤشرات متعددة دولية، مثل مؤشر الدول الهشة (Fragile States Index) الصادر عن صندوق السلام الأميركي، فضلاً عن مؤشرات الحوكمة العالمية الصادرة عن البنك الدولي.
مؤشرات الهشاشة في الحالة العراقية
- مؤشر الدول الهشة (FSI)
يحتل العراق عام 2024 المرتبة 21 عالمياً ضمن أكثر الدول هشاشة من أصل 179 دولة، بدرجة 95.8 من 120، وهي درجة مرتفعة تعكس اختلالاً هيكلياً.
العوامل الأكثر تأثيراً في تصنيف العراق:
الضغوط الأمنية والعسكرية (الحروب الداخلية، بقايا الإرهاب، الميليشيات).
الهجرة والنزوح (أكثر من 1.2 مليون نازح داخلي وفق إحصاءات الأمم المتحدة في 2023).
الانقسام الطائفي والسياسي الذي يضعف بناء المؤسسات.
- مؤشرات الحوكمة العالمية (World Governance Indicators – WGI)
وفق البنك الدولي لعام 2023:
مؤشر الاستقرار السياسي: العراق حصل على –2.2 (من –2.5 إلى +2.5)، وهو ضمن الأدنى عالمياً.
مؤشر فعالية الحكومة: –1.3.
مؤشر السيطرة على الفساد: –1.5.
مؤشر سيادة القانون: –1.4.
هذه الأرقام تُظهر ضعف قدرة الدولة على تطبيق القوانين وفرض النظام.
- الاقتصاد والتنمية
يعتمد العراق على النفط بنسبة 92% من الإيرادات العامة و96% من الصادرات (وزارة المالية العراقية 2024).
نسبة البطالة الرسمية: 16% (بين الشباب تتجاوز 27%).
نسبة الفقر: 25% من السكان (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2023).
العجز الهيكلي في الموازنة بلغ أكثر من 60 تريليون دينار عراقي في موازنة 2024، ما يعكس اعتماداً خطيراً على أسعار النفط المتقلبة.
- البنية الاجتماعية والسياسية
التعددية القومية والمذهبية في العراق تحوّلت إلى انقسامات حادة بسبب نظام المحاصصة الطائفية.
ضعف الثقة بين المواطن والدولة: في استطلاع “الباروميتر العربي” 2022، أعرب أقل من 20% من العراقيين عن ثقتهم بالحكومة.
تفشي الفساد: العراق يحتل المرتبة 154 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 (منظمة الشفافية الدولية).
تحليل علمي
بالمقاييس العلمية، هشاشة الدولة العراقية تتجسد في:
- ضعف احتكار العنف المشروع: وجود جماعات مسلحة موازية للدولة.
- عجز مالي واقتصادي: الاعتماد الريعي على النفط وغياب تنويع الاقتصاد.
- فقدان الشرعية السياسية: بسبب الفساد والمحاصصة وضعف الأداء الحكومي.
- اختلالات اجتماعية: النزوح، البطالة، الفقر، وانعدام الخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه).
الخاتمة
العراق يمثل حالة نموذجية لدولة هشة وفق التصنيفات العلمية الدولية. ورغم ما يمتلكه من ثروات طبيعية هائلة وموقع جيوسياسي مهم، إلا أن استمرار عوامل الفساد، والمحاصصة، والاعتماد على النفط، وغياب المؤسسات الفاعلة، كلها تعزز هشاشته. الإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة بناء العقد الاجتماعي، تنويع الاقتصاد، ومحاربة الفساد بشكل جذري، وهي خطوات جوهرية لتحويل العراق من دولة هشة إلى دولة مستقرة وفاعلة.
أضف تعليق