السُّودَان … سَلَّةُ الحُزْنِ العَمِيمِ.

السُّودَان … سَلَّةُ الحُزْنِ العَمِيمِ.

رياض الشرايطي

يَا سُودَانُ،
يَا وُجَعَ النِّيلِ المُمتَدِّ فِي صُدُورِ القَبَائِلِ،
يَا شَمْسَ الطِّينِ حِينَ تَنْهَضُ مِن رَمَادِهَا،
يَا وَجْهَ أَفْرِيقْيَا المُبْتَلّ بِدَمْعِ القِصَاصِ،
كَيْفَ تَصِيرُ الأَرْضُ نَارًا، وَالسَّمَاءُ خُوذَةً،
وَيُصْبِحُ الوَطَنُ مَيْدَانَ رِمَايَةٍ لِلحَالِمِينَ؟،
مِنْ “دَارْفُورَ” إِلَى “الخُرْطُومِ”،
يَمُرُّ الحُلْمُ مَكْسُورَ الأَجْنِحَةِ،
تَحْمِلُهُ نِسَاءٌ نَحِيلَاتٌ كَالرِّيحِ،
يَرْبِطْنَ جِرَاحَ الوَطَنِ بِخُيُوطِ القُطْنِ وَالصَّلَابَةِ،
وَيَغْزِلْنَ لِلْغَدِ قَمِيصًا مِنَ العَرَقِ وَالحَنَّاءِ،
كُنْتَ سَلَّةَ أَفْرِيقْيَا،
يَا مَنْ أَطْعَمْتَ القَارَّةَ مِنْ خِصْبِ تُرَابِكَ،
وَالْيَوْمَ تَعِيشُ لَعْنَةَ الذَّهَبِ،
يَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِكَ لَا لِيُضِيءَ لَيَالِيكَ،
بَلْ لِيُشْعِلَ فِيكَ الحُرُوبَ،
وَلِتُصْبِحَ خَيْرَاتُكَ قَيْدًا فِي مِعْصَمِكَ،
تُصَفِّقُ لَهُ أَيْدِي الغُرَبَاءِ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ،
كَمْ خَطَفَ البَرِيقُ بَرِيقَ العُيُونِ الفَقِيرَةِ،
كَمْ صَارَ الذَّهَبُ نُبُوءَةَ الدَّمِ،
وَصَارَ التُّرَابُ مَلْعَبًا لِلأَجْنِحَةِ المُتَنَاحِرَةِ!
يَتَقَاتَلُ العَسْكَرُ فَوْقَ جُثَّةِ الوَطَنِ،
كَالذِّئَابِ حِينَ تَشُمُّ دَمَ القَطِيعِ،
يُقْسِمُونَ بِاسْمِ الشَّعْبِ،
ثُمَّ يَبِيعُونَهُ فِي سُوقِ الرِّهَانَاتِ،
وَيُهَشِّمُونَ المَرَايَا لِيَصِيرَ وَجْهُ البِلَادِ شَظَايَا،
يَا وَطَنًا تُحْرَثُ أَرَاضِيهِ بِالرَّصَاصِ،
وَيُزْرَعُ فِيهِ الجُنُودُ بَدَلَ القَمْحِ،
أَيُّ رُخْصٍ هَذَا؟
حَتَّى الشَّجَرُ صَارَ يَحْتَمِي بِالحَجَرِ،
وَحَتَّى الطَّيْرُ يُهَاجِرُ خَوْفًا مِنْ جَنَاحِهِ،
النِّيلُ يَعْرِفُكَ يَا سُودَانُ،
يَعْرِفُ أَنَّ جِرَاحَكَ لَيْسَتْ مَاءً،
بَلْ سَيْلٌ مِنَ الأَمَلِ المَقْمُوعِ،
وَمِنَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا سِوَى الطِّينِ شَاهِدًا،
تَتَلَوَّنُ ضِفَّتَاكَ بِالدَّمِ،
وَيُغَنِّي الصِّغَارُ فِي العَرَاءِ:
لَنْ نُبَايِعَ القَتَلَةَ،
لَنْ نَحْرُسَ الذَّهَبَ لِلْغَرِيبِ،
الأَرْضُ أُمُّنَا،
وَنَحْنُ أَبْنَاؤُهَا الَّذِينَ لَا يَنَامُونَ،
لَكِنَّكَ تَنْهَضُ دَائِمًا مِنْ فَوْضَى البَنَادِقِ،
مِنْ بَيْنِ الرَّمَادِ تَخْرُجُ قُدِّيسَةٌ سُودَانِيَّةٌ،
تَرْفَعُ عَلَمَكَ المُـمَزَّقَ وَتُغَنِّي:
أَنَا السُّودَانُ،
لَنْ أَمُوتَ مَا دُمْتُ نَهْرًا،
وَمَا دَامَ فِيَّ قَلْبُ امْرَأَةٍ تُرْضِعُ الثَّوْرَةَ.
وَغَدًا، حِينَ يَخْرَسُ المَدْفَعُ،
وَتَصْحُو النَّخِيلُ مِنْ كَوَابِيسِ الحَرْبِ،
سَيَقُولُ الطِّفْلُ عِندَ ضِفَّةِ النَّهْرِ:
هَذَا الذَّهَبُ لَنَا،
وَهَذِهِ الأَرْضُ أُمُّنَا،
أَمَّا العَسْكَرُ،
فَقَدْ عَبَرُوا النَّهْرَ إِلَى النِّسْيَانِ…..


أضف تعليق