ذكريات من الرياض: بين الماضي والحاضر .

ذكريات من الرياض: بين الماضي والحاضر .

د. جميل شاكر الخفاجي

في عام ٢٠١٠، غادرت الرياض بعد أن كنت أستاذًا في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود. المدينة آنذاك كانت مترامية الأطراف، بلا هوية مميزة سوى جودة طرقها وكثافة الازدحام، مع العمل الجاد لتوفير سكن مناسب للمواطنين وبداية الرغبة في اللحاق بركب التقدم.
أما الترفيه، فلم يكن موجودًا إلا في المجمعات التجارية، والتي كانت مخصصة للعائلات فقط في أيام محددة من الأسبوع، بعيدًا عن أجواء الانفتاح المعتادة في معظم المدن العالمية وايضا تقتصر على بعض النشاطات التي لم تستغل الطبيعة الجميلة والمتنوعة للسعودية.

زيارة الرياض بعد ١٥ عامًا

في اواخر ايام هذا الشهر أكتوبر ٢٠٢٥، توجهت أنا وابنتي الأصغر، المهندسة الطبية، إلى الرياض لزيارة ولدي البكر، المهندس ومدير أحد المشاريع الإنشائية. كان الهدف ليس فقط اللقاء العائلي وزيارة الاصدقاء، بل أيضا الاطلاع على التطور السريع والهائل في جميع الامور الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات في الحياة العامة لما فيه خير للمواطن والمقيم والذي شهدته العاصمة السعودية.

لم يكن الهدف من هذا المقال تغطية كل التطورات، ولكن بعض المشاريع تستحق الذكر، وقد تكون مصدر إلهام لتطوير بغداد، وخاصة المترو الذي طال انتظاره في مدينتنا الحبيبة.

مترو الرياض: إنجاز عالمي

يُعد مترو الرياض أحد أكبر مشاريع النقل في العالم، حيث يمتد ١٧٦ كيلومترًا ويخدم مساحة تصل إلى ١٢٠٠ كم². يضم المشروع ٨٥ محطة، أكبرها تبلغ مساحتها ٢٠,٠٠٠ متر مربع وبعمق يصل إلى ٤٠ مترًا تحت الأرض، موزعة على ثمانية طوابق. استغرق تنفيذ هذا المشروع حوالي عشر سنوات، ويختلف كثيرًا عن مترو دبي، الذي أنجز في ٣ سنوات ونصف فقط، ويبلغ طوله ٩٠ كيلومترًا مع ٥٣ محطة، ومعظمها فوق الأرض.

يتكون مترو الرياض من ستة خطوط، ويخدم نحو ٣,٦ مليون شخص يوميًا، وهو مثال واضح على قدرة الإرادة والتنظيم على تحقيق المستحيل.

مقارنة بين المدن: الرياض وبغداد ولندن

لنفهم حجم الإنجاز، يمكن مقارنة الرياض ببغداد ولندن:
• مساحة الرياض: ١,٩٧٣ كم²
• مساحة بغداد: ٦٧٣ كم²
• مساحة لندن: ١,٥٧٢ كم²

أما عدد السكان، فهو يقارب ٨ ملايين نسمة لكل من الرياض وبغداد، مقابل ١٠ ملايين في لندن تقريبًا. هذه الأرقام توضح أن حجم المدينة لا يشكل عائقًا أمام الإنجاز إذا توفرت الإرادة والخبرة.

الطريق الحولي: رئة الرياض الخضراء

المشروع الذي يعمل فيه ولدي هو الطريق الحولي لمدينة الرياض. عند اكتماله، سيكون بمثابة الرئة الخضراء والاجتماعية للعاصمة، إذ تم استغلال المساحات بين مساري الطريق لتصبح حدائق ومسارات للمشي، وأماكن للترفيه العائلي والشبابي، مع ساحات للألعاب الرياضية ومسابح الهواء الطلق، أشجار نخيل، وأماكن للشواء والجلوس، بعيدًا عن الكتل الخرسانية والأسفلتية التقليدية.

مترو الرياض

دروس مستفادة لبغداد

العراق لا ينقصه الأيدي العاملة أو الثروة، لكنه يحتاج إلى الخبرة والتنظيم في تنفيذ المشاريع الكبيرة. من المهم الاستفادة من التجارب العالمية، وكبح جماح الأصوات التي تعرقل التقدم بحجة السيادة أو شعارات مثل “نحن الأفضل”، لأن الإرادة والعمل المنظم قادران على تحويل المدن إلى فضاءات حضارية مستدامة.
لابد من الإشارة الى ان الرياض ستحتضن معرض الاكسبو العالمي في عام ٢٠٣٠ والذي سيكون سببا اخرا لاعادة تطوير العاصمة ناهيك عن احتضان السعودية لمسابقات كاس العالم في كرة القدم عام ٢٠٣٤ حصريا وبمشاركة ٤٨ دولة وعليك تخيل ما ستتولى اليه هذه الدولة من تغيير نحو الاحسن.
كل الدول تسعى للفوز باحد الفعاليات الدولية الا عراقنا الحبيب الذي يغرقوه بالفساد ويغرقوا شبابه بالجهل والخرافة والبطالة وبفعاليات لاتسمن ولا تغني من جوع او بطالة.
لابد من الاشارة الى المطار الجديد المزمع افتتاحه في مدينة الرياض في عام ٢٠٣٠ والمخطط له ان يستوعب ١٨٥ مليون مسافر سنويا بستة مدرجات متوازية على مساحة ٥٧ كلم٢ مقارنة بمساحة مطار هيثرو البالغة تقريبا ١٢ كلم٢) ناهيك عن الساحة الرياضية المعلقة على ارتفاع ٣٥٠ م لتحتفي باللاعبين والجماهير اثناء مسابقة كاس العالم لكرة القدم وايضا القطار الفخم بمواصفات ملكية والذي سيربط ارجاء المملكة والمزمع انجازه قريبا.
الم يحن الوقت لانجازات مماثلة في بلاد مابين النهرين الغنية بحضاراتها والمشهورة بقادتها العظام.



مترو بغداد

أضف تعليق