حين يرى الإنسان الآخرين بعين نفسه .

حين يرى الإنسان الآخرين بعين نفسه .

عامر جاسم العيداني

في الحياة العامة كثيراً ما نحكم على الناس من خلال ما نحمله في داخلنا لا بما يفعلونه فعلاً ، إنها ظاهرة نفسية واجتماعية خطيرة تختصرها المقولة الشهيرة “كل إنسان يرى الناس بما فيه”، حيث تتحول نظرتنا إلى الآخرين إلى مرآة لذواتنا فتنكشف في أحكامنا أخلاقنا قبل أن تكشف حقيقتهم.

في المجتمع نجد المتشائم يرى الجميع انتهازيين والمنافق يعتقد أن الصدق مجرد غطاء اجتماعي والفاسد يظن أن كل إنجاز لا بد أن يكون وراءه منفعة خفية لأنه يقيس الآخرين بمقياس نفسه. وهكذا تُصاب العلاقات الإنسانية بالريبة وتتحول الثقة إلى عملة نادرة في بيئة يختلط فيها الصادق بالمصطنع والجاد بالمناور.

أما في السياسة فالمشهد أكثر وضوحاً وخطورة فحين يرى السياسي خصمه بعين نفسه تتحول المنافسة إلى صراع شخصي لا إلى تنافس برامج والمسؤول الذي جاء بالمحسوبية يظن أن الجميع كذلك والمعارض الذي بلا مشروع يعتقد أن الآخرين أيضاً بلا رؤية ، فتغيب البرامج الوطنية وتعلو أصوات الاتهام والتسقيط وكأن السياسة أصبحت مرآة للنفوس لا ميداناً للخدمة العامة.

هذا السلوك لا يقتصر على النخب بل يتسرب إلى وعي الناس فالمواطن حين يرى فساداً بلا محاسبة يبدأ بالتشكيك بكل شيء في القرارات والمشروعات وحتى في النيات فيصبح الإصلاح في نظره وهماً والإنجاز مجرد دعاية لأن البيئة العامة غذّت داخله شعوراً بأن لا أحد يعمل بنزاهة وهكذا تُهدم الثقة بين المجتمع والدولة ويضيع التقييم الموضوعي وسط غبار الشك.

إن بناء الثقة لا يتحقق بالمواعظ بل بإصلاح بيئة الحكم والإدارة والإعلام وحين تكون الشفافية قاعدة والمساءلة ممارسة والإنجاز يُعرض بالأرقام لا بالشعارات سيتغير وعي الناس وسينعكس ذلك على طريقة رؤيتهم للآخرين. فحين يشعر المواطن أن القانون يُطبق بعدل لن ينظر بعين الشك وحين يرى قدوة صادقة في المسؤول سيعيد الاعتبار لقيم الصدق والنزاهة.

إن أول خطوة في الإصلاح هي أن نصحح نظرتنا إلى بعضنا البعض وأن نكف عن إسقاط ما فينا على الآخرين فالنقاء ليس ضعفاً والصدق ليس سذاجة والوطنية ليست شعاراً سياسياً بل سلوكاً يومياً عندها فقط سنرى الناس كما هم لا كما رسمتهم ظلال نفوسنا.


أضف تعليق