سلطة الوهم …ووهم السلطة (١)

سلطة الوهم …ووهم السلطة (١)


محمد عطوف الاوسي


الوهم هو اعتقاد راسخ وخاطئ يختلف تماماً عن الواقع ، ولا
يمكن تغييره بالأدلة المنطقية ، هناك عدة انواع من الأوهام لكن ما يهمني ذكره في هذه المقالة هو الوهم الأدراكي ، وهو تشويه في الأدراك الحسي حيث يرى الدماغ الاشياء بشكل مختلف عما عليه في الواقع .
لغوياً فأن الوهم في المعاجم العربية : هو الظن الفاسد وهو المعنى الشائع في اللغة العربية ، وهو الأعتقاد الخاطئ والغير صحيح .
وظاهرة الوهم لا تقتصر على شعب معين او دولة معينة فعبر التاريخ البشري كان لهذه الظاهرة وجود نسبي بين الشعوب ، لكن تقريباً منذ القرن الرابع عشر الميلادي بدأ ما يسمى بعصر النهضة كحركة ثقافية وفكرية ، وكان لدور الفلاسفة دور مهم في اعمال العقل وترك الاوهام والخرافات والاساطير ، وخيرُ ما نستشهد به هو قصة او نظرية الكهف للفيلسوف اليوناني افلاطون يشرح فيها العلاقة بين الواقع والجهل والأدراك والمعرفة .
وصف القصة (الصورة اعلاه) هو مجموعة من السجناء المقيدين في كهف منذ ولادتهم لا يرون سوى ظلال لما يعرض امامهم على الجدار ، ويعتبرون هذه الظلال هي الحقيقة الوحيدة ، بينما تمثل النار والأشياء الحقيقية العالم الخارجي للكهف الذي لم يروه ابداً . تتضمن الرموز الرئيسية في القصة ان الكهف يمثل العالم المحسوس ، والظلال تمثل المعتقدات الزائفة والخروج من الكهف تمثل رحلة العقل نحو الحقيقة . والنار تمثل السلطة ، والشمس تمثل الخير والمعرفة الكاملة .
يمثل واقعنا الذي يعيش فيه معظم الناس ، والذي غالباً ما يعتمد على الأدراك الحسي فقط وليس على الفكر والوعي ،


فالسجناء يمثلون البشر الذين يعيشون في جهل ويقنعون بما يرونه الذي هو مجرد وهم .
والظلال تمثل الأوهام والمعتقدات الزائفة التي يدركها الناس من خلال الحواس .
اما النار فتمثل السلطة والنظام الأجتماعي الذي يخلق هذه الظلال .
اما الخروج من الكهف فتمثل رحلة العقل نحو المعرفة والتحرر من الأوهام وهي بلا شك لا تخلوا من صعوبات .
العالم الخارجي يمثل عالم الأفكار والمُثل وهو العالم الحقيقي والأكثر دقة كذلك الشمس تمثل الخير المطلق .
أسلامياً:- بالرغم من تأكيد الاسلام من خلال القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة ، وما صدر عن الخلفاء الراشدين والخط الاول من المسلمين على تأكيد اهمية اعمال العقل فكراً وسلوكاً فهو الوسيلة الوحيدة التي يدرك بها الانسان هدى الله ، كما انه المحور الأساسي في تقدمه الحضاري ، العقل في الاسلام اداة للتكليف والتشريف فقد ميز الله الانسان عن سائر المخلوقات بالعقل ، فالعقل مستودع العلم والمعرفة ، اما ما يحدث الآن فهو مخالف للعقل وجوهر الاسلام ، فأذا تكلم افلاطون عن مجتمعه فان اغلب مجتمعاتنا العربية والاسلامية قابعة في كهوف ومقيدين باغلال الاوهام والذي زاد الأمور سوءاً وتعقيداً ان الادارات (النار في قصة افلاطون) التي تعاقبت ومنذ قرون (مع وجود بعض الأستثناءات) ساهمت بشكل كبير في زيادة مقبولية هذه الأوهام لانها تصب في مصلحتهم وتعطي لحكمهم ديمومة وخاصة اذا كان حكماً جائراً ومستبداً ولا يؤمن بشيء اسمه الحكم العادل .
الخلاصة :-
يقول الدكتور أيمن بدر كريم ، ان من اهم اسباب اقتناع الانسان بكثير من الأوهام والخرافات يأتي (الخوف) في مقدمتها ، فالخوف يعد أكبر محرك لأفكار وسلوك الانسان فالعقل البشري يخشى الحقيقة المجردة ، معنى هذا ان الانسان يفضّل السعادة النفسية على الحرية الفكرية والشيء بالشيء يذكر قال المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون (( من يعرف ايهام الجماهير يُصبح سيدّاً لهم ومن يحاول قشع الأوهام عن اعينهم يصبح ضحية لهم )) .


أضف تعليق