كاظم الساهر لماذالم يعود لبغداد!؟

كاظم الساهر لماذا
لم يعود لبغداد!؟

صباح ناهي

لي محطات كثيرة مع الفنان كاظم الساهر ، لأكون شاهدا ً على تطوره ونجاحاته ، والدروب التي خاضها كي يبق في سلم المطربين العراقيين المميزين ثم العرب بعد انتقاله إلى عمان ثم إلى دول عربية وأجنبية اخرى ،
وكانت رحلته بصبر وهدوء وتحمل معاناة كثيرة من مقربين من الأصدقاء والفنانين والشعراء ، لكنه ظل يسعى لهدف واحد يورقه النجاح والحصول على مزيد من الجمهور الذي تقبله شيئاً فشيئاً منذ حفلة الكويت عام 1990 إبان دورة الخليج وصعد على مسرح النجوم مع الرويشد وعدد من المطربين الخليجين من جيله ومن سبقه ،
كانت حفلات الكويت في مطلع التسعينات قبيل الغزو محطة مهمة أكدت بان الجمهور الخليجي الذي يعشق اللهجة العراقية وجد نفسه امام صوت وشكل فني جديد ، اناقة كاظم وتفاعله مع جمهور ذواق وسميع غنى معه ورقص على إيقاعات جديدة لم يألفها في الاغنية العراقية الكئيبة و الحزينة التي تنوء بمشاعر الحزن والمقدمات الموسيقة من الوحدة الطويلة، تجعل جمهورها يكتفي بان يسمعها على الكاسيت الذي توزعه (النظائر ) الشركة النافذه التي يديرها بعض العراقيين المقيمين وقتها،
لكن اغنيات الساهر السريعة والمشحونة بجو إيقاعي يحاكي جيل يسعى للفرح سبقته في الكويت تحديداً وعموم الخليج المتطلع للأصوات العراقية الخارجة من أتون حرب الثمانينات الطويلة ،
بعدها لم يبدد ما تحصل عليه من حفلات الكويت ، ليذهب للقاهرة حاملا ً لحناً وكلام صعب ومؤثر لعزيز الرسام في ملحمته (لا ياصديقي ) بجو طربي استساغه الجمهور المصري الصعب ، واحتفت به صوت الفن واستديوهات القاهرة ، المليئة بالنجوم العرب مع شحة عراقية تقدم اليها الساهر بثقة ، وهي متشوقه لسماع صوت عراقي باهات عميقة وحنجرة أسطورية، كما يصفها بعض الملحنين والفنانين المصريين ،
سجل في القاهرة حضورا جميلاً و كان خفيف ظل على المصرين في خطاب معتدل في مقابلاته الصحفية ، يعرف قيمة كونه ضيف مرحب به ، يدفع اجور الفرق الموسيقية والاستديوهات بانتظام واحترام ، حتى تقبله الوسط المصري بأغنيات اخرى وكنت طيلة حقبة التسعينات كلما ازور القاهرة، ارى اكبر بوسترات المباني فيها معلق عليها صورة كاظم وتايتل ( أنا وليلى ) حتى تشعرك ان القاهرة تستضيف واحداً من اهم نجوم الفن العربي بسخاء ، وهذا لم يأت بالهين امام المزاج المصري المرهف والصعب.
عاش كاظم مع اختيارات موفقة لكلمات أغانيه و وظف قدرته الفنية في التلحين في نتاجاته الكثيرة ،
وكان فنياً يصنف بانه دؤوب وغزير الانتاج كمطرب وملحن ، مر ّ بالكثير من المعاناة والتحديات ، سيما في بلده الذي شهد الحصار الطويل إبان ظهوره خلال التسعينات، ومزاج شعبه المتقلب الصعب وأعداد متكدسة من المطربين والمغنيين المنافسين والحاسدين لنجاحاته،
وكان ذلك حافزا ً ليغني لشعبه وآماله ولمعاناة أطفاله الكثير من الاغنيات التي جعلته صوتا عراقيا وطنيا عربيا ً تنشد معه امة باكملها ، سيما مع أغنية
“بغداد لا تتألمي” ، التي اشتهرت بقوة تعبيرها الوجداني والاحاسيس التي نقلها الساهر كضمير شعبي تمثل معاناة العراقيين المطحونين بالحصار الطويل الذي حرم الناس من العيش الطبيعي ثلاثة عشر عاما ًعجاف ،
ادرك الساهر ان عشاق أغانيه يحبونه في الاداء العراقي كلمات ولحن ، حتى وجد ضالته بكاتب وشاعر اغنية محنك ومخلص له هو كريم العراقي، الذي منحه اكثر من مئتي اغنية بمشاعر واحاسيس عراقية عميقة ، مكنته كي يرسم بصمته الغنائية على الجمهور العربي الواسع سيما في مصر والمغرب العربي وبيروت والأردن والخليج ، صار كاظم بنظر المستمع العربي قيصر الاغنية ، ونال من الشهرة والمجد ما جعله يصنف من مطربي العالم الاوائل ، و لم تأت هذه الحظوة من فراغ بل من جهد مضني وتضحيات شخصية وتعب وأرق ، ومتعة ومجد يدفعه إلى تقديم الأفضل ، حتى انتباهته الذكية كونه متمكن من غناء القصائد الطويلة التي كانت أنا وليلى منطلقه شجعته لياخذ من اعظم شعراء القصيدة العاطفية الراحل نزار قباني حوالي 20 أغنية من بينها
“زيديني عشقًا”
“مدرسة الحب”
أكرهها”
قولي أحبك”
إني خيرتك فاختاري”
“حافية القدمين”
هل عندك شك”
يوميات رجل مهزوم” ممنوعة أنتِ” لماذا؟” وسواها .
نزار منح كاظم شهرة اخرى كما وجد فيه صوتا ولحناً يناجي لواعجه ويصل إلى توقه لصوت عربي مدرب يقُدر صوره وكلماته وكان فخورا ً بكاظم ممتنا ً لحضوره و امانته على اداء راق أعاد اكتشاف نزار وعمق كلماته .
ومن خلال محطاتي الشخصية مع كاظم مرة سألني في دبي كنا جالسين في كافيه امام بيته على البحر ؛ (دكتور لماذا تأتيني الانتقادات من العراقيين اكثر من غيرهم ؟ ) اظنه عنى ذلك ؟ ان يعرف مني لماذا يواجه جفوة العراقيين له شخصيا وليس لمنتجه الفني!؟، قلت له : ( ببساطة انهم يعتقدون انك مالهم ، ولا ينافسهم فيك جمهور آخر ) فانت تقضي وقتا طويلاً. في حفلات عربية وهم يكتفون بالتفرج عليك عبر وسائل الاتصال ، ولأكون صريحا ً معك يا ابو وسام لفرط حبهم لك ولنجاحك لا يظنون ان احداً غيرهم يستحقك )
انصت طويلا لجملتي هذه ، ولعله انتبه إلى السنوات التي لم يشاهده فيها الجمهور العراقي على مسرح في بغداد او اية محافظة برغم الدعوات والإغراءات المتكررة له ،ادعي باني اعرف السبب لاني آخر من ودعه على مسرح نادي الفروسية عام 1998 حين غنى اربع ساعات متواصلة في الهواء الطلق ، وكانت إطلاقات النار تطلق فوق راسه احتفاءً بمقدمه وبفنه ، وكنت قلقا ً عليه لأني آخر من ودعه ليصعد سياره خصوصي يسوقها عضو فرقته حميد ومعه بعض افراد فرقته بينهم منذر كريم الصديق الصدوق لمسيرته الذي لا يعوض ، ويعبر إلى عمان دون علم مضيفيه من السلطة حتى جن ّ جنونهم كيف غادر في ذلك الصباح النيساني البارد ليسجل تاريخا بعدم الرجوع لبغداد منذ ذلك الحين ،
لا اعرف متى يكسر تلك المفارقة في حياته كونه من محبي بغداد واهلها ، وتربى بعزها وصبرها ومحبة الناس اليه ،
( هذا فصلا ً اول ليكون لي عودة أخرى )


أضف تعليق