
أتُسْمِحينَ لِي بِهذِهِ الرَّقْصَةِ، سَيِّدَتِي؟
رياض الشرايطي
أتُسْمِحينَ لِي بِهذِهِ الرَّقْصَةِ، سَيِّدَتِي؟
أَنَا الَّذِي أَضَاعَ الخُطَى فِي المَمَرَّاتِ القَدِيمَةِ،
أَنَا الَّذِي كَانَ إِذَا مَرَّ نَايٌ عَلَى أَطْرَافِ لَيْلِكِ
يَعُودُ كَطِفْلٍ إِلَى صَدْرِ أُمِّهِ،
يَبْكِي مِنْ شِدَّةِ الحَنِينِ.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَى خِصْرِكِ؟
أُقْسِمُ، لَنْ أَسْرِقَ مِنْ رُوحِكِ سِوَى رَجْفَةٍ،
رَجْفَةٍ وَاحِدَةٍ،
تُذَكِّرُنِي أَنَّ الحَيَاةَ مَا زَالَتْ تُقَاوِمُ البَرْدَ فِي نَبْضِي.
سَيِّدَتِي،
مَا جِئْتُ عَاشِقًا يَتَسَوَّلُ قُبْلَةً،
وَلَا شَاعِرًا يَبْتَزُّ الضَّوءَ مِنْ عَيْنَيْكِ،
جِئْتُ كَمَا يَأْتِي المَطَرُ
حِينَ يَيْأَسُ مِنَ السَّمَاءِ،
وَيَنْزِلُ إِلَى الأَرْضِ بَاكِيًا،
لَعَلَّهَا تَضُمُّهُ.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أُخْطِأ قَلِيلًا فِي الإِيقَاعِ؟
أَنْ أَضَعَ قَدَمِي مَثَلًا
حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْحُلْمِ أَنْ يَمُرَّ؟
أَنَا لَا أُجِيدُ الرَّقْصَ،
لَكِنِّي أُجِيدُ الاِنْحِنَاءَ أَمَامَ الجَمَالِ،
وَأُجِيدُ الإِصْغَاءَ لِخُطُوَاتِ امْرَأَةٍ
تُوقِظُ التَّارِيخَ فِي حَجَرٍ.
سَيِّدَتِي،
دَعِينَا نَرْقُصْ مَرَّةً
قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ الضَّوْءُ وَيُفْسِدَ السِّحْرَ،
مَرَّةً فَقَطْ
بَيْنَ العِشْقِ وَالعَدَمِ،
بَيْنَ أَنْفَاسِكِ… وَصَمْتِي.
أَتُسْمِحينَ لِي بِهذِهِ الرَّقْصَةِ؟
فَقَدْ تَعِبْتُ مِنَ الحُرُوبِ كُلِّهَا،
وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِي
سِوَى مَسَاحَةٍ صَغِيرَةٍ
تَسَعُ خُطْوَةً مِنْكِ،
أَوْ… غُفْرَانًا.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أَتَمَادَى قَلِيلًا،
أَنْ أَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْهُ الشُّعَرَاءُ
مُنْذُ خُلِقَ الوَجَعُ؟
أَنْ أَقْتَرِبَ مِنْ حُدُودِكِ
كَمَا يَقْتَرِبُ الفَجْرُ مِنْ أَسْرَارِ لَيْلٍ خَجُولٍ؟
فَكُلُّ مَا فِيكِ
يُشْبِهُ وَطَنًا نُفِيَ مِنْ خَرَائِطِ الحَنِينِ،
وَكُلُّ مَا فِيَّ
رَجُلٌ مَا عَادَ يَمْلِكُ إِلَّا هذَا الرَّقْصَ كَيْ لَا يَنْهَارَ.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أَضَعَ رَأْسِي عَلَى كَتِفِكِ؟
فَصَوْتُكِ يُشْبِهُ صَلَاةَ المَطَرِ،
وَحِينَ تَهْمِسِينََ،
يَسْتَيْقِظُ الزَّيْتُونُ فِي لُغَتِي،
وَتَرْتَجِفُ الحُرُوفُ
كَمَا لَوْ أَنَّهَا نِسَاءٌ
خَرَجْنَ مِنْ قَصِيدَةٍ بَاكِيَةٍ.
سَيِّدَتِي،
مَا أَشَدَّ الخَوْفَ مِنْ أَنْ يَنْتَهِيَ اللَّحْنُ
قَبْلَ أَنْ تَكْتَمِلَ الخُطْوَةُ،
مَا أَشَدَّ الشَّغَفَ حِينََ تَصِيرُ الرَّقْصَةُ جِسْرًا
بَيْنَ نَجْمَتَيْنِ
تُضِيئَانِ لَيْلَ شَاعِرٍ مَكْسُورٍ.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أُخَطَّ اسْمَكِ عَلَى الهَوَاءِ؟
لَيْسَ نَقْشًا،
بَلْ حَنِينًا يَتَصَاعَدُ مِنْ صَدْرِي،
كَمَا تَتَصَاعَدُ أَرْوَاحُ المُحِبِّينَ مِنْ رَمَادِ الغِيَابِ.
أَتُسْمِحينَ أَنْ أُهْدِيَكِ هذَا الدَّوَرَانَ؟
فَفِي كُلِّ اِلْتِفَافَةٍ حَوْلَكِ
أَنْسَى الأَرْضَ وَمَنْ فِيهَا،
وَأَنْسَى أَنَّ لِلْعُمْرِ حُدُودًا
وَلِلشَّوْقِ أَعْذَارًا.
سَيِّدَتِي،
لَوْ تَعْلَمِينََ كَمْ مَرَّةً
تَمَنَّى قَلْبِي أَنْ يَتَعَثَّرَ فِي طَرَفِ فُسْتَانِكِ
كَيْ يُعِيدَ تَرْتِيبَ قَدَرِهِ،
كَمْ مَرَّةً قَرَأْتُ فِي عَيْنَيْكِ
أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبَهُ الأَنْبِيَاءُ عَنِ الرَّحْمَةِ،
وَأَعْمَقَ مِمَّا رَوَى المَجَانِينُ عَنِ العِشْقِ المُسْتَحِيلِ.
أَتُسْمِحينَ لِي،
وَلَوْ لِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ،
أَنْ أَكُونَ ظِلَّكِ؟
أَنْ أَسِيرَ وَرَاءَ عَطْرِكِ
كَمَا يَسِيرُ الغَيْمُ وَرَاءَ المَاءِ؟
أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْ شَفَتَيْكِ
لُغَةً لَا تُدَرَّسُ فِي الكُتُبِ،
وَلَا تُكْتَبُ بِالحِبْرِ،
بَلْ تُنْقَشُ عَلَى جُدْرَانِ الذَّاكِرَةِ بِالنَّبْضِ؟
سَيِّدَتِي،
حِينَ تَنْتَهِي الرَّقْصَةُ
سَأَعُودُ إِلَى عُزْلَتِي،
سَأُغْلِقُ بَابَ القَلْبِ
وَأُطْفِئُ مُوسِيقَى الخُطَى،
لَكِنِّي سَأَتْرُكُ النَّافِذَةَ مَفْتُوحَةً،
رُبَّمَا تَمُرِّينَ صُدْفَةً،
رُبَّمَا
تُسْمِحينَ لِي بِرَقْصَةٍ أُخْرَى
حِينَ يَعْفُو الوَرْدُ عَنِ النَّدَى..
سَيِّدَتِي،
هَا قَدِ اِنْتَهَتِ المُوسِيقَى،
وَانْطَفَأَ الضَّوْءُ إِلَّا مِنْ عَيْنَيْكِ،
وَبَقِيتُ أَنَا،
كَحَرْفٍ تَائِهٍ بَيْنَ قَصِيدَتَيْنِ،
لَا يَدْرِي أَيْنَ يَبْدَأُ أَوْ كَيْفَ يُقَالُ.
أَتُسْمِحينَ لِي أَنْ أُوَدِّعَكِ كَمَا يُوَدِّعُ البَحْرُ مَوْجَهُ الأَخِيرَ؟
بِصَمْتٍ يُشْبِهُ الجِبَال،
وَبِرَعْشَةٍ
كَأَنَّ القَلْبَ يَعُودُ إِلَى طِينِهِ الأَوَّلِ.
سَيِّدَتِي،
إِنْ مَضَيْتِ،
فَخُذِي مَعَكِ هذِهِ الخُطْوَةَ الَّتِي لَمْ تَكْتَمِلْ،
وَاتْرُكِي لِي ظِلَّكِ،
كَيْ لَا أَتَعَثَّرَ فِي الفَرَاغِ.
فَمَا الرَّقْصُ إِلَّا ذَرِيعَةُ عَاشِقٍ
كَيْ يَلْمَسَ الخُلُودَ لِلَحْظَةٍ،
وَمَا العِشْقُ
إِلَّا هذَا الدَّوَرَانُ الأَبَدِيُّ
حَوْلَ امْرَأَةٍ
تُشْبِهُ الحُلْمَ حِينََ يَتَجَسَّدُ…
وَلَا يُمْسِكُهُ أَحَدٌ…..