
كلمة في الانتخابات .
نعمه العبادي
- جرت الانتخابات، وأسدلت الستار على (التوقعات والتوهمات والاحتمالات والظروف والتحديات) التي كانت قد وضعت “عدم اجراء الانتخابات” في حيز الامكان، وبذلك صارت أمرا واقعا.
- مما لا شك فيه انها وإن كانت منقوصة لجهة حجم المشاركة الشعبية فيها، لكنها تجاوزت المأزق الاخلاقي والشعبي، وهي قياسا بغيرها من الانتخابات مقبولة لجهة المشاركة وعدد المصوتين.
- مع كامل الاحترام للتحليلات والآراء والافكار والنقاشات حول سمة الانتخابات وهويتها، لكنها من وجهة نظري كانت انتخابات قائمة على رصيد الاشخاص “بما هم كأشخاص” في حالتي الفوز والخسارة، ويصدق ذلك بقوة حتى على ما حققته القوائم، يمكن ان يستثنى من هذا التعميم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فناخبوه هم ناخبو خط هذا الحزب وتوجهه، طبعا مع اهمية وجود السيد مسعود البارزاني فيه.
- كثير من الناس يتحدث عن البرامج ويجادل حولها “اثباتا ونفيا”، ولا يدرون ان البرامج قرينة ورديفة لمؤسسات سياسية حقيقية، فالبرامج الانتخابية هي تعبير منظم عن ” كيفية ادارة السلطة” بظل منظور آيدلوجي معين، ومع عدم وجود المؤسسات الراسخة، لا حديث عن البرامج، بل هناك استحسانات شخصية، وهناك عروض فضفاضة او جرائد لفظية ليس ورائها اي قيمة حقيقية.
- هذه الانتخابات شهدت اكبر واوسع تجارب انفاق المال السياسي، سواء كان ذلك من خلال نماذج الدعايات الانتخابية او من خلال استعمال هذا المال في كسب الولاءات والتزلف لمصادر التأثير او حتى اقناع بعض المحتاجين للادلاء بأصواتهم مقابل منح مالية.
- على الرغم من التأثير البالغ للمال ولكنه لم يكن عاملا حاسما، فهناك اطراف انفقت اموال هائلة ولكنها لم تحصد الفوز، والامر يرجع الى التنظيم والتعبئة والقدرة على استقطاب جمهور ملتزم بعلاقة مع المرشح، وفوق كل ذلك المقبولية الحقيقية للمرشح لدى وسطه الانتخابي بغض النظر عن كونه يستحق هذه المقبولية او لا.
- وجدت الكثير من الاشخاص توهموا او أوهموا او نقصتهم الخبرة او غرهم المشهد العام او راهنوا على امور تصوروها بأنها كافية لحصد آلاف الاصوات، وتحدثوا بثقة عن الفوز، بل استسهلو الفوز، ولكن الواقع المر صدمهم، وقال لهم، هناك فرق كبير ان تستقطب مجموعة لندوة جماهيرية او مناسبة اجتماعية، وبين اقناع عدد كبير من الناس بالآلاف يخرجون طواعية ويصوتون لك، ويمكنوك من الفوز، هذه قصة مختلفة تماما.
- من الواضح ان عبارات خذلني الجمهور، لم يكونوا اوفياء، تأثرت حملتي، نتائج صادمة، امر مستبعد، ووو… غيرها من العبارات، في الحقيقة مردها لدى الكثيرين، هو مبالغتهم او عدم تقديرهم الدقيق لحجمهم ومساحتهم، وقد تصورورا انهم اكبر من ذلك، فتورطوا في اللعبة.
- قطعا وجزما، قد خسر الانتخابات اشخاص هم أولى بالفوز من عدد غير قليل من الفائزين، ولو فازوا لكان وجودهم مؤثرا وايجابيا، كما لا جدل في ان هناك عدد غير قليل ممن فاز، لا يستحق هذه الفرصة من منظور المصالح الوطنية والضمير الشعبي ومسؤولية النيابة، لكنها الديمقراطية كما يقال وعليك ان ترضى بحكمها اذا قبلت بشروطها.
- الانتخابات عبرت بشكل مقبول في وضوحه وعدالته عن حجوم التنوع العراقي (شيعة، سنة، كرد)، ومن كان يراهن او يتخيل ان هذه الحقائق يمكن تجاوزها من خلال خطابات التحريض او التأجيج الطائفي او استقطاب هذا الطرف او ذاك، فهو مشتبه، وقد ظهر حجمه وقدره الحقيقي.
- ان سبب تقدم بعض القوائم في نسبة مقاعدها، يعود بالدرجة الاساس إلا ان هذه القوائم استقطبت اشخاص محسومي الفوز نتيجة لوضعهم السياسي والمالي ودائرة علاقاتهم ووجود جمهور محدد بينه وبينهم حالة من التخادم الواضحة، ومن المؤكد فإن اثر الاشخاص الذين، يعدون بمثابة الهوية لكل قائمة، كان مؤثرا بدرجة كبيرة في النتائج التي حصلت عليها.
- الانتخابات قالت بوضوح، لا يزال المجتمع يتأثر وينجذب لإنتماءاته التقليدية، ويؤثر فيه الدين والمذهب والمنطقة والعشيرة، والخط السياسي العام، ولم تستطيع الدعوات التي راهنت على ان المجتمع في لحظة تنكر او استبدال لتلك الولاءات التقليدية، ان تحصل على مردودات واقعية لهذا الرهان.
- مع التقدير والاحترام لعدد غير قليل من النساء المحترمات، سواء من فزن او لم يفزن، فإن المشهد الانتخابي وخاصة في دعايته، شهد ابتذالا في عرض الاشكال والاجسام والمراهنة على الاغراء، وقد اوضحت النتائج ان هذا الابتذال لا قيمة له، ولم يحقق فوزا في اي نموذج من النماذج.
- الظاهر اننا امام برلمان يصعب فيه تمرير القوانين الخلافية، واجراء الاستجوابات الحساسة، وقد يشهد حالة من تبدل خطوطه السياسية التي رسمت لحظته الاولى بعد مضي وقت على الممارسة الانتخابية.
- اختيار رئيس البرلمان سيكون اصعب من اختيار رئيس الوزراء.
- وفرة المقاعد الشيعية سوف تسهل عملية اختيار الحكومة وتمريرها.
- سيتكرر عدد من الوزراء السابقين وسيكون ذلك احد المطالب الملحة من كياناتهم وقواهم.
- هذه الافكار والتوقعات والتحليلات ليست اقدار مقدرة، إذ يبقى كل شيء بيد الله جل وعلا، وهو القادر على كل شيء..
اتمنى ان تكون هذه الافكار لوحة رشيقة وخفيفة الدم في ظل صخب ما بعد الانتخابات.