
من تعبيد الشوارع إلى التهكم.. ازدواجية الوعي المدني في العراق .
عامر جاسم العيداني
كان مشهد الأطفال وهم يخوضون في الوحل للوصول إلى مدارسهم سببا في موجة من المطالب الشعبية بتحسين الخدمات وتعبيد الشوارع ، واليوم وبعد أن بدأت الجهات البلدية بتنفيذ مشاريع التبليط والمقرنص وانجازها تغير الخطاب فجأة وتحولت الإنجازات إلى مادة للسخرية لدى بعض الناشطين المدنيين.
فهل نحن أمام وعي نقدي متطور؟ أم أمام حالة من الازدواجية التي تجعلنا نستهزئ بما كنا نحلم به بالأمس؟
قبل أعوام كان مطلب التبليط عنواناً للاحتجاجات في المدن والأحياء الشعبية واليوم حين بدأ التنفيذ ظهرت أصوات تستهزئ بالمشاريع وتصفها بالشكليات وتطالب بتحويل الأموال إلى بناء المدارس والمستشفيات وتوفير المياه الصالحة للشرب.
ولا شك أن هذه المطالب مشروعة لكن المشكلة تكمن في التناقض في ترتيب الأولويات فالتبليط ليس ترفاً بل ضرورة تمهّد لبقية الخدمات فلا يمكن إنشاء مدرسة أو مستشفى في منطقة بلا بنية تحتية أو طرق معبّدة وان التنمية لا تأتي دفعة واحدة بل عبر خطوات متكاملة تبدأ من الأساسيات.
النقد البنّاء أساس لأي إصلاح أما التهكم والسخرية فهما هدم غير مباشر لأي جهد والمطلوب من الناشطين المدنيين أن يكونوا شركاء في البناء يقيّمون لا يستهزئون ويطالبون بتحسين الأداء لا بإلغاء الجهود.
الوعي لا يعني الرفض الدائم بل القدرة على التمييز بين الإخفاق والإنجاز فالإصلاح لا يتحقق بالشعارات وحدها بل بدعم الخطوات الصحيحة مهما كانت صغيرة.
في خضم هذا الجدل يبرز دور الإعلام الوطني كصوت توازن ووعي فالإعلام الحقيقي لا يكتفي بنقل النقد بل يوجهه ويبرز الجهود الإيجابية دون تملق. مهمته أن يشخص الخلل بموضوعية وأن يحمي الرأي العام من الانجرار وراء حملات التهكم التي تُضعف ثقة الناس بمؤسساتهم.
الإعلام حين يكون مهنياً ومسؤولا يتحول إلى منبر للتنوير لا منصة للسخرية فهو الذي يزرع ثقافة الشكر على المنجز والمطالبة بالمزيد دون تجريح أو تهوين.
إن العراق لا يحتاج إلى مزيد من التهكم بل إلى مزيد من الوعي فكل حجر يوضع في طريق مبلّط وكل مشروع صغير ينجز بإخلاص هو خطوة في طريق الإعمار الطويل.
فلنقدّر ما تحقق ولنطالب بما هو أفضل بعقلانية ومسؤولية فالسخرية لا تبني وطنا لكن الكلمة الواعية والإعلام الصادق والناشط المسؤول يمكنهم معاً أن يصنعوا التغيير الذي نحلم به جميعاً.