
بعد الإخفاق الانتخابي… هل تعيد “تصميم” صياغة دورها في البصرة؟
عامر جاسم العيداني
لم يكن مساء إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب في البصرة مساء عابرا وان الوجوه التي اعتادت الاحتفال بدت هذه المرة أكثر صمتاً والأنظار الشاردة نحو الشاشات تبحث عن تفسير لنتائج لم تكن في الحسبان ولم تكن الأرقام مجرد معطيات انتخابية بل رسالة واضحة وصارمة وجهت إلى كتلة “تصميم” التي خاضت السباق بثقة لكنها خرجت منه مثقلة بأسئلة تتجاوز حسابات السياسة.
أظهرت النتائج أن الشارع البصري لم يعد يقبل منجزات الخدمات الروتينية وحدها فالتبليط وفتح الطرق وإنارة الأحياء رغم أهميتها لم تعد تمثل معيار النجاح ولا تلامس عمق الاحتياجات اليومية التي يطالب بها المواطن ولقد قال البصريّون بوضوح نريد سكنا يليق بنا وفرص عمل تحفظ كرامتنا وماء صالحا للشرب نستطيع الاعتماد عليه.
ومع هدوء الأجواء الانتخابية وجدت الحكومة المحلية بقيادة “تصميم” نفسها أمام منعطف حرج لا تنفع معه المبررات ولا يجدي فيه الخطاب العام فالإخفاق الانتخابي لم يكن حدثا سياسيا فحسب بل مؤشرا على تغير المزاج الشعبي ودعوة مباشرة إلى إعادة النظر في آليات العمل وأولوياته.
يظل ملف السكن واحدا من أكثر الملفات إلحاحا أمام الحكومة المحلية والعائلات التي تبحث عن مأوى كريم والشباب الذين ينتظرون فرصة لبداية حياة مستقرة والعشوائيات التي تمددت كأنها دليل على غياب التخطيط وجميعها شواهد تحتاج إلى حلول جذرية وإن مشروعا سكنيا واحدا ناجحا يمكن أن يعيد الثقة المفقودة ويمهد لمرحلة مختلفة في العلاقة بين المواطن والحكومة.
ونلاحظ على أبواب الشركات النفطية تتكرر الشكوى ذاتها كل يوم لشباب ينتظرون فرص عمل وعدوا بها لكن ما وصلهم لم يتجاوز قوائم انتظار طويلة ولقد أثبتت التجربة أن الطرق والمجاري لا تطعم عائلة وأن الشاب الذي لا يجد عملاً لن يلتفت إلى افتتاح مشروع خدمي مهما كان حجمه وعليه فإن دعم المشاريع الصغيرة وتفعيل الاستثمار وتشغيل أبناء البصرة تمثل مدخلا أساسيا لأي استقرار سياسي أو اجتماعي.
ولا ننسى انه مع كل موجة ارتفاع للملوحة ترتفع معها أصوات المواطنين المتذمرة فملف ماء البصرة ليس تفصيلاً فنيا بل قضية حياة يومية وقد سجل الشارع ملاحظة واضحة مفادها أن الحكومة المحلية ركزت طويلاً على مشاريع البنى التحتية لكنها لم تتعامل مع هذا الملف باعتباره الأولوية القصوى وفي لحظة ما بعد الإخفاق بدا أن معالجة ملف الماء هي المدخل الحقيقي لاستعادة ثقة الناس.
لقد خرجت “تصميم” من الانتخابات بدرس ثقيل لكنه ثمين لأن الناس تريد مشاريع تغيّر حياتها لا مشاريع تزين مدنها فقط وما زال أمامها متسع من الوقت لاستعادة حضورها شرط أن تعتمد مسارا جديدا يقوم على مشاريع السكن والعمل والماء بوصفها ركائز أساسية لا يمكن التهاون بها.
ومن الطبيعي أن تتعرض الكتلة لحملات ممنهجة خلال المرحلة المقبلة تستغل الأوضاع الخدمية والاقتصادية وتحاول تحريك الشارع ضدها فالتنافس في البصرة شديد وكل تقدم تحققه “تصميم” في مشاريعها سيقابله تصعيد إعلامي وسياسي من خصومها لكن العمل الملموس والشفافية يشكلان السلاح الأقوى في مواجهة أي محاولات للتشويه أو التسقيط.
إن البصرة لا تطلب المستحيل بل تطلب بيتا يأوي أسرة وفرصة عمل تحفظ كرامة شاب وماءً صالحًا للشرب يصل إلى كل منزل وعلى هذه الثلاثية يتحدد مستقبل “تصميم” إمّا أن تستثمر درس الإخفاق وتعيد صياغة دورها بما يلبّي احتياجات البصريين الحقيقية لتكون منافسا قويا في الإنتخابات القادمة لمجالس المحافظات وتحقيق اعلى المقاعد لتكون في المقدمة .