البصرة على فوهة صراع سياسي شرس:كيف تُدار الاحتجاجات لإسقاط المحافظ قبل الانتخابات؟

البصرة على فوهة صراع سياسي شرس:
كيف تُدار الاحتجاجات لإسقاط المحافظ قبل الانتخابات؟

عامر جاسم العيداني

ها هي البصرة تقف اليوم على حافة مرحلة سياسية أكثر توتراً ومرحلة لم تعد فيها الأحداث تسير بشكل طبيعي بل تتشابك فيها المطالب الشعبية مع حسابات القوى المتصارعة ومع انتخابات مجالس المحافظات القادمة يبدو أن بعض الأطراف مصممة على تحويل كل تفصيلة إلى سلاح وكل أزمة إلى منصة للهجوم على المحافظ وقائمة تصميم.

لم تكن مظاهرات منتسبي وزارة الدفاع بشأن الأراضي سوى مثال صارخ على الطريقة التي تُدار بها المعركة حيث بدأت القصة بمطالب حقيقية لمنتسبين ينتظرون منذ سنوات الحصول على قطعة أرض لكن سرعان ما تحوّلت تلك المطالب إلى كرة لهب سياسية وخرج المنتسبون إلى الشارع وارتفعت الهتافات وبدأت أصابع الاتهام تتجه فوراً إلى المحافظ باتهامات جاهزة يريد استثمار الأرض لبناء معرض دولي ويسعى لسلب حقوق المنتسبين وكأن الهدف لم يكن حل المشكلة بل صناعة اشتباك مباشر معه.

ورغم أن المشروع الاستثماري لم يكن سوى رؤية تنموية فقد عملت ماكينة التحريض بأقصى طاقتها فجرى تضخيم القصة وتصويرها وكأن المحافظ يقف ضد حقوق المنتسبين لا معهم وهنا ظهر الوجه الحقيقي للمخطط السياسي لاستثمار أي غضب شعبي مهما كان صغيراً وتحويله إلى محاكمة ميدانية للمحافظ.

لكن رد المحافظ كان مختلفاً عمّا توقعه خصومه فبدلاً من الدخول في اللعبة قرر قلب الطاولة وأعاد الأرض بالكامل إلى وزارة الدفاع رافعاً يده عن القضية تاركاً الوزارة تتحمل مسؤولية توزيعها والتعامل مع مطالب المنتسبين وهي خطوة تحمل رسالتين واضحتين:
الأولى: أنه يرفض أن يُخَوَّن أو أن تُستخدم المشاريع التنموية ضده.
الثانية: أن من يريد تحريك الشارع ضده عليه أن يبحث عن ذريعة جديدة لأن هذه الورقة سقطت من يده.

هذه الحادثة كشفت شيئاً أساسياً ان هناك جهات تستعد بكل الوسائل لتفجير الشارع في وجه الحكومة المحلية وليس فقط من خلال مطالب السكن والعمل والخدمات بل عبر تحريك فئات منظمة تستطيع أن تشكل ضغطاً كبيراً إذا جرى توجيهها سياسياً وكل طرف يراهن اليوم على خلق أكبر قدر من الإرباك قبل الانتخابات محاولاً منح المحافظ صورة “الفاشل” حتى لو كانت الوقائع تشير إلى عكس ذلك.

وسط هذه الفوضى المصطنعة تبدو البصرة وكأنها تتحرك داخل سيناريو مكتوب مسبقاً احتجاجات تظهر فجأة واتهامات تُطلق بلا دليل وحملات تشويه متكررة وتحريض إعلامي يحاول صناعة رأي عام ناقم بينما الحقيقة أن كثيراً من هذه التحركات لا تنطلق من هم الناس وحده بل من رغبة سياسية شرسة في إسقاط المحافظ وإضعاف كتلة تصميم قبل وصول الجميع إلى صناديق الاقتراع.

البصرة اليوم ليست مجرد ساحة خدمات تحتاج إلى تنظيمزبل ميدان حرب سياسية كاملة وما يجري الآن ليس سوى البداية فهناك من يريد للأشهر القادمة أن تكون مشتعلة مستخدماً الشارع كقوة ضغط لاختراق جدار الحكومة المحلية وإجبارها على التراجع. إنها معركة تصنع فيها الفوضى بمهارة وتستخدم فيها هموم المواطنين لتصفية الحسابات فيما يبقى المحافظ في قلب العاصفة ليس لأنه أخطأ بل لأن نجاحه يزعج كثيرين ولأن بقاؤه يعني سقوط أحلام آخرين في السيطرة على البصرة من جديد.

إن الواجب اليوم يتطلب من المحافظ وإدارته أن يمضوا بثبات في تقديم الخدمات وأن يفتحوا أبواب التنفيذ على مصراعيها عبر الإسراع في منح قطع الأراضي وتوفير خدماتها والشروع ببناء المساكن وتوفير فرص العمل من خلال تشجيع الاستثمار وتنفيذ المشاريع المخطط لها. كما يتطلب العمل بجدية للضغط على الحكومة الاتحادية لصرف تخصيصات البصرة والتعاون مع النواب المخلصين الذين يحملون همّ مدينتهم بصدق.

وعلى الحكومة المحلية أن تتذكر أن طريق البناء لا يكون إلا بالثبات وأن الالتفات إلى المحرضين لا يجلب إلا التعطيل أما البصرة فهي تستحق أن يضعها الجميع فوق أي حساب سياسي وأن تُصان من محاولات العبث بمستقبلها عبر افتعال الأزمات وان السير بخطى ثابتة هو الرد الأبلغ على كل محاولات الإسقاط وخدمة الناس هي السلاح الأقوى في مواجهة الضجيج المفتعل.


أضف تعليق