
ثقافة النحيب.. مجتمع يعيش على صوت الشكوى .
عامر جاسم العيداني
يبدو أن النحيب أصبح العلامة المسجّلة للمجتمع العراقي لا تمر ساعة دون أن تسمع عبارات التذمّر: “ماكو أمل.. البلد خربان.. محد يصلح”، وكأننا نتسابق في اكتشاف أكثر الطرق حزنا للتعبير عن اليأس حتى في المناسبات السعيدة لا يخلو الحديث من نغمة الحزن والتشاؤم وكأن الفرح أصبح ترفا لا يليق بنا.
تحولت الشكوى إلى رياضة يومية يمارسها الجميع دون كلل أو ملل والمواطن يشكو من الحكومة والموظف يشكو من المواطن والسياسي يشكو من “الظروف”، وكأن البلاد سقطت ضحية مؤامرة غامضة لا نعرف مصدرها أما المثقف فغالباً ما يتقن فن التحليل السوداوي أكثر من صناعة الأمل.
المفارقة أن كثيرين يعتقدون أن النحيب نوع من “الوعي”، وأن التشاؤم دليل ذكاء بينما الإيجابية تفسر على أنها سذاجة أو انفصال عن الواقع وهكذا أصبح من الطبيعي أن يُحتفى بالناقد الغاضب ويسخر من المتفائل لأنه عايش بالوهم .
لكن الحقيقة المؤلمة أن ثقافة النحيب لا تصنع تغييرا بل تكرّس الركود ومن يشكو لا يتحرك ومن يندب لا يبادر ومن يلوم الجميع ينسى أن يبدأ بنفسه ، إننا نحترف جلد الذات أكثر من إصلاحها ونبحث عن شماعة نعلّق عليها كل أخطائنا من السياسة إلى المرور إلى الكهرباء.
قلة فقط من يمتلكون ثقافة إيجابية أولئك الذين يرون في الفوضى فرصة للتنظيم وفي الإخفاق حافزاً للإنجاز وهم لا يرفعون شعار “ماكو فايدة”، بل يعملون بصمت ليصنعوا فائدة.
ثقافة النحيب أخطر من الفساد لأنها تقتل الحافز في النفوس وتبرّر الفشل قبل أن يقع وما لم نتحرر منها سنبقى نعيش في دائرة من البكاء على الماضي وانتظار معجزة لا تأتي.
فبدلاً من أن نقول “الوضع ميصلح”، لنجرب مرة أن نقول “خل نصلحه”. قد تكون البداية صغيرة لكنها بداية الطريق نحو وطنٍ يتحدث بلغة الأمل لا الأنين.