
رئاسة المخابرات… ليست تدرّجاً وظيفياً لرئاسة الوزراء
ضياء أبو معارج الدراجي
من أكبر الأخطاء السياسية والأمنية التي ابتُلي بها العراق في السنوات الأخيرة هو تحويل منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني إلى سُلّم طموح للوصول إلى رئاسة الوزراء. هذا الانحراف الخطير، الذي بدأ مع تجربة الكاظمي ويُراد اليوم إعادة إنتاجه عبر الدفع بالشطري، يكشف خللاً عميقاً في فهم وظيفة المخابرات ودورها، ويهدد مستقبل الدولة واستقرارها السياسي.
أولاً: الجهاز الأمني ليس مكتباً انتخابياً
جهاز المخابرات وُجد لحماية الدولة، لا لتهيئة رئيسه ليصبح رئيساً للوزراء. السماح بتحويل هذا الموقع الأمني الحساس إلى محطة انتقال سياسي يؤدي تدريجياً ويدفع برئيسه القادم لتحوليه الى:
1-أداة لتصفية الخصوم كما حدث مع “الجنرال” و“الشايب”.
2-وسيلة لابتزاز القوى السياسية ،(لجنة ابو رغيف).
3-منصة لصناعة الأزمات,(تشرين).
4-بوابة للتواصل مع جهات أجنبية دعماً لطموح رئيسه القادم بمنصب رئيس الوزراء.
وهذا بالضبط ما جرى في زمن الكاظمي، حين تحوّل الجهاز من مؤسسة أمنية إلى رأس حربة في الصراع السياسي، وانفتح على عواصم وأجهزة استخباراتية أجنبية، واستُخدم لخلق فراغ سياسي يُطيح برئيس وزراء شرعي ويستبدله بشخصية «رئيس جهاز المخابرات».
ثانياً: تكرار التجربة اليوم أخطر من الماضي
السير في هذا الطريق مرة أخرى عبر الشطري يعني أن:
1-رئاسة جهاز المخابرات ستتحول رسميًا إلى مشروع “ترفيع” نحو رئاسة الوزراء.
2-أي رئيس وزراء قادم سيصبح هدفاً محتملاً للإسقاط من قبل الرئيس الجديد للجهاز لذلك احتفظ الكاظمي بالمنصب لنفسه مع منصب رئيس الوزراء.
3-الأجهزة الأمنية قد تدخل في صراع مستقبلي على “كرسي الرئاسة”.
وقد نشهد تنافساً وصداماً بين المخابرات والداخلية والدفاع والامن الوطني، وربما اقتتالًا داخلياً على النفوذ.
عندما يتحول منصب أمني حساس إلى طريق مختصر للوصول إلى منصب رئيس الوزراء، فإن الدولة تبدأ بفقدان مناعتها السياسية والأمنية.
ثالثاً: ضرب الانتخابات وثقة الناس
تنصيب شخصية من خارج العملية الانتخابية على رأس السلطة التنفيذية هو طعنة في قلب الديمقراطية.
كيف نطالب الناس بالمشاركة في الانتخابات بينما “الرئيس الحقيقي” يُصنع في الغرف المغلقة لا في صناديق الاقتراع؟
تكليف شخصية لم تترشح ولم تفز ولم تخضع لرقابة الجماهير يعني:
1-إلغاء قيمة التصويت.
2-إضعاف الثقة بالنظام الانتخابي.
3-تحويل الحكم من إرادة شعبية إلى “صفقة” و“تسوية”.
وهذا يُميت روح الديمقراطية من جذورها.
رابعاً: المطلوب حكومة من نتائج الانتخابات حصراً
من يريد رئاسة الوزراء فليذهب إلى الشعب.
من يريد القرار السيادي فليشارك في العملية الانتخابية.
أما تحويل الأجهزة الأمنية إلى بوابة للحكم فهو:
1-جريمة بحق الدولة،
2-خيانة لمفهوم الشرعية،
3-نسف لأساس النظام الديمقراطي.
خامساً: الخط الأحمر
ترك هذه الظاهرة دون معالجة يعني أننا متجهون نحو:
1-عسكرة السياسة،
2-تسييس الأمن،
3-فقدان السيطرة على الأجهزة،
4-تحويل رئاسة الوزراء إلى سباق أجهزة امنية لا سباق صناديق.
وهو مسار يقود إلى زعزعة الدولة وربما انهيارها.
على القوى السياسية أن تُغلق هذا الباب إلى الأبد.
رئاسة الوزراء يجب أن تكون نتاج انتخابات، لا نتاج مؤامرات.
ومَن يريد حكم العراق فليذهب إلى صناديق الاقتراع، لا إلى غرف التسويات.
هذا واجب وطني لحماية الدولة من تكرار سيناريوهات سوداء دفع العراقيون ثمنها سابقاً… ولن يسمحوا بتكرارها مرة أخرى.