
عنقاء ليموريا
مريم كريم التميمي
حلَّ الظلام والسيارة تقود نفسها بين الجبال العالية، طرق متعرجة، أمطار ورعد، وأشياء غريبة تظهر على ضوء البرق!
تلتفت هديل حول السيارة مضطربة، خائفة، فلا ترى شيئًا.
“حسام، لماذا أنت صامت؟”
“اهدئي، أرجوك، فلا ترعبي الأطفال أكثر!”
قالها وهو يحاول السيطرة على سيارته بهدوء.
“لا يمكنني السكوت، هل ترى حالنا؟ كم أنت بارد!”
“اسكتي، هل سنتشاجر بهذه الظروف؟ هل ترين شيئًا في يدي ولم أفعله؟ لدينا أطفال يا امرأة!”
تحدث بصوت خافت ووجهه محمرٌّ، حالمًا.
صمتت وبدأت تحاول الهدوء، وفتحت كشاف الهاتف لترى يزن ولارا، ثم صرخت مندهشة!
“ما هذا؟!”
رد عليها بتوتر وملل:
“يا إلهي، ماذا بك مرة أخرى؟!”
ردت بخوف وهلع:
انظُر إلى يزن، عيونه محمرة ويسيل منها الدماء!
فاستدار، ورأى يزن ولارا بنفس الحال. فأخذهم للأمام وأحتضنهم، وهديل تلطم وجهها وتبكي وتصرخ كالمجنونة!
في عيد الميلاد سنة 2020، كان الهواء عاصفًا حتى يقتلع الأشجار، لكنه، قبل ساعة، مقمرًا هادئًا!
أرادوا العودة من زاخو إلى بغداد، أب أشقر وأم سمراء، وطفلتهم المهقا بالخامسة من عمرها، عيونها لوزية زرقاء شاحبة، شديدة الشبه بأخيها التؤام!
الأمور تتغير وتزداد سوءًا، أصوات عالية ناشزة، وخنقة تقترب.
في البداية، سأل الطفلان والديهما بخوف، والجواب كان واحدًا:
لا تخافا، هذه مجرد أمطار.
لكن بمرور الوقت، تغير حالهم…
عيونه مضطربة، وقلبه يدق بسرعة، يرى أولاده بين يديه بحال غريب.
ملابسهما رطبة، وعيونهما تغرق بدمع أحمر كالدماء.
فانزع عنهما ملابسهما بعد أن أسكت هديل ورمى عليها هاتفه على رأسها، صارخاً وهو يستشيط غضباً:
“كفى، كفى، أخفت الأطفال!
متى ستغيرين طباعك الغير مسؤولة هذه؟!”
ثم عاد لأطفاله ورأى وشم صدورهم الذي يشبه طائر العنقاء في وسط خريطة غريبة لقارة ليموريا التي قرأ عنها، ولاحظ إن لونها تغير من الأسود إلى الأزرق كلون المحيط الصافي.
خوف وأنين ثم شكوى حتى انفجر الأطفال بالبكاء، ففتحت هديل أغاني حماسية وحاولت تهدئتهم.
وبعد وقت قصير، تزحلقت السيارة واصطدمت بالصخور في وادٍ، فغاب الأبوين عن الوعي، وبقي الطفلان يصرخان رعبًا والدماء تسيل من وجوههما!
بعد الهدوء، خرجت العصافير والطيور تزقزق على أشجار الجوز العملاقة على حواف الجبال، وأشعة الفجر، أشرقت لترسم ملامح الحادثة…
أفاقوا، فوجدوا أنفسهم في وادٍ بين الجبال والسيارة مهشمة، ولا يعرفون كيف استطاعوا النجاة!
في أحضانهم حديد السيارة المكبوس بين الصخور الكبيرة!
قالت: “أين لارا ويزن؟ إنهما غير موجودين!”
هلع حسام وأصبح يحاول الخروج من باب السيارة الأمامي فلم يستطع، ورغم أنهم في حال صعب وكل جسميهما يؤلمهما، إلا أن الطفلين مفقودين!
وبعد وقت طويل، استطاعا الخروج من السيارة من الباب الخلفي الأيمن، وهو الوحيد الذي لم يتعطل…
آثار الدم في كل مكان!
صرخت: “قد خرجوا وأكلتهم الذئاب!”
“لا، لا، لا، إن شاء الله هما بخير، سنجدهم إن شاء الله!”
أجاب منفعلاً، يكتم خوفه وبدأ يركض ويصرخ بأسماء أولاده:
“يزن… لارا… أحبائي، أين أنتم؟!”
مشى ومشى، فرأى نزيفًا يخرج من ذراعه الأيمن يتدفق كالشلال، فضمدها بقماش قطعه من قميصه، وبالكاد كان يستطيع المشي، أما هديل فلم تستطع المشي وانتظرته قرب السيارة، فقد كانت قدمها مكسورة!
وبعد ساعة من المشي، وجدهم، لكن الصدمة جعلت عينيه لا ترمشان من الذهول وجثا على ركبتيه!
وقال: “ما هذه؟!”
أطفاله هادئون، يفترشون أصابع طائر غريب يشبه العنقاء، كبير جدًا وأجنحته ضخمة، عيونه حادة مسحوبة للأعلى تلتهب نارا بألوانها، منقاره برتقالي حاد معقوف، ريشه أبيض كثيف كالثلج وذيله الطويل ينسدل على الأرض كالفراش!
نظرت عليه بعيونها الكبيرة الحمراء القاتمة، فظهرت بعيونها خريطة مع الطائر نفسه، يشبه لحد كبير وشمًا على صدور أولاده. ثم طارت.