هل تعيد أزمة الماء البصرة إلى حكم أحزاب بغداد؟

هل تعيد أزمة الماء البصرة إلى حكم أحزاب بغداد؟


عامر جاسم العيداني

لم تعد أزمة الماء في البصرة مجرد مشكلة خدمية طارئة بل تحولت إلى ملف سياسي ثقيل تدار حوله صراعات واضحة تتجاوز ملوحة المياه وشحها إلى مستقبل إدارة المحافظة نفسها فمع كل تصاعد في معاناة المواطنين يبرز سؤال جوهري: هل تستغل هذه الأزمة لإعادة البصرة إلى قبضة أحزاب بغداد ومنطق المحاصصة؟

البصرة التي طالما طالبت بإدارة شؤونها بعيدا عن الوصاية المركزية تجد نفسها اليوم أمام اختبار صعب فالأزمة المستمرة كشفت ضعف الحلول وبطء تنفيذ المشاريع وغياب الشفافية في ملفات حيوية مثل محطات التحلية التي وضع حجر الأساس لها منذ فترة دون أن يرى المواطن ملامح لها على الأرض هذا الفراغ الخدمي تحوّل سريعا إلى فرصة سياسية.

قوى سياسية فقدت نفوذها المحلي أو لم تكن جزءا من إدارة القرار في البصرة بدأت تتحرك باتجاه تحميل الحكومة المحلية كامل المسؤولية مستخدمة الغضب الشعبي وسيلة للضغط وربما لإسقاطها. ان الخطاب المتداول لا يركز على كيف نحل أزمة الماء بقدر ما يركز على من يحاسب ومن يستبعد وهو ما يفتح الباب أمام سيناريو أخطر الى عودة التدخلات القادمة من بغداد تحت عنوان الإنقاذ.

تاريخ البصرة مع هذا النوع من التدخلات ليس مطمئنا ففي كل مرة تدار فيها المحافظة بعقلية المحاصصة تقسم المناصب والملفات بين الكتل وتتراجع الأولويات الحقيقية للمواطن ويصبح الماء والكهرباء والوظائف أوراق تفاوض لا حقوقاً ثابتة وتدار المحافظة من خارجها لا من داخل معاناتها.

ومع ذلك فإن عودة البصرة إلى هذا المسار ليست حتمية فوعي الشارع البصري يبقى عاملاً حاسماً وان الاحتجاج على العطش حق مشروع لكن تحويل هذا الحق إلى أداة بيد أطراف سياسية قد يعيد إنتاج الأزمة بشكل أخطر والمطلوب اليوم هو ضغط شعبي واضح باتجاه الحلول وكشف مصير مشاريع التحلية وتحديد الجهات المقصرة ومحاسبة الفشل بالأدلة لا بالشعارات.

في المقابل تتحمل الحكومة المحلية مسؤولية مضاعفة فالصمت أو الخطاب الملتبس يمنح خصومها الذريعة للتدخل وان الشفافية والمصارحة ووضع جدول زمني واضح للمعالجات هي خط الدفاع الأخير لمنع سحب قرار البصرة من يد أهلها.

أزمة الماء قد تكون نقطة تحوّل إما أن تستغل لإعادة البصرة إلى زمن المحاصصة وحكم الأحزاب القادمة من بغداد أو تتحول إلى لحظة وعي تفرض فيها المدينة إرادتها وتنتزع حقها في إدارة أزماتها بنفسها وان الخيار هذه المرة لا يبدو سياسياً فقط بل مصيرياً.


أضف تعليق