شرارة والسياب.. وأشياء اخرى .

شرارة والسياب.. وأشياء اخرى .

نعمه العبادي

أثار حديث السيدة بلقيس شرارة عن شاعر الوجع الكبير بدر شاكر السياب موجة من الاعتراضات وردود فعل، أخذت أشكالاً مختلفة، ما بين الثناء والانتصار للسياب، بوصفه علامة فارقة في تاريخ الادب العالمي ورمزا عراقيا مهما، وبين توجيه اللوم والنقد، بل وحتى الشتم لشرارة، ولا يزال الحدث محط اهتمام وتفاعل، إلا انني لم أقرأ تشريحاً عميقا او وقفة اكثر جدية في التعاطي مع الحدث.

مما لا شك فيه ولا جدال حوله، ان الاوصاف والطريقة التي نعتت بها المتحدثة السياب، مرفوضة ومدانة، سواء كان إسترسالاً بحديث، او تعابير عفوية، او حديث لا يقصد مداليله العميقة، وسبب الادانة والرفض، يتعلق بثلاثية (الحديث والمتحدث والمتحدث عنه)، فالحديث لم يكن حوار عابر بين اصدقاء، بل هو حوار مسجل يسرد ذاكرة شخصيات مهمة، ويقدم تصوراتهم عما عايش كل منهم، وهنا يكون كل كلام هو نحو من الشهادة والافادة على ذلك الزمن، واما المتحدث، فبلقيس شرارة وإن لم تكن مشهورة بشكل كبير، فهي ابنة الاديب والسياسي محمد شرارة وشيقيقة حياة شرارة وزوجة رفعة الجادرجي، وهي سيدة وإن كانت لبنانية الاصل إلا انها من رموز الحركة النسوية العراقية ومثقفة واديبة، وبالتعبير العراقي “عليها العتب”، واما المتحدث عنه وهو السياب رائد حركة التجديد، وشاعر الوجع العراقي وصاحب الحس المرهف، فهو رمز وطني وقامة ادبية كبيرة، فضلا عن مكانته الحساسة في الوجدان العراقي عموما والوجدان البصري خصوصا، ومع هذه الثلاثية، لا مجال ولا تبرير للاستطراد غير اللائق الذي وقعت به شرارة، وهي على كل الاحوال ملامة ومطالبة بإعتذار لائق من عائلة السياب ومحبيه وكل الادب العالمي.
ما تريد اضافته هذه المقالة التعرض لأمرين، وهما: الاول: يتعلق بأخلاقيات النقد في ما بين من يسمون بعالم “النخبة”، ومما يؤسف له، فإن هناك امراض نفسية واخلاقية صادمة في هذه المجتمعات التي تشكل لوحة الابداع والجمال، حتى ان الكثير يوصي بعد القرب ومعايشة بعض رموز الفن والادب، لان سلوكهم الشخصي سيكون صادم لمن اعجب بهم، وأحد اهم السقطات الاخلاقية، تتمثل بالحسد والحقد، ومحاولة التصغير من الآخر، وعدم ذكره بما يليق ويناسب، فالبعض يتصور انه اذا قلل من شأن الآخرين، سيكون ذلك ضمنا تعظيما وتكبيرا له، كما ان هناك جحود غريب لعطاء الاخرين، وهذه الحالة موجودة ومنتشرة بشكل كبير بين مجتمع الاكاديميين، ولك ان ترى الفرق، حينما تفتح كتاب كتبه كاتب عربي او شرقي بالعموم، وكتاب آخر كتبه كاتب غربي، وتقارن بين الاعتراف بجميل الاخرين، وحجم الشكر الموجه لمن ساهم وساعد، والذكر التفصيلي لكل شخص قدم خدمة ولو صغيرة، فيما يهمل معظم اكاديمينا ومثقفينا اي جهد سبقهم او الاشخاص الذين ساعدوهم في انتاج هذا النص، لذلك نحن في ازمة اخلاقية وانسانية في مجتمع النخبة، ولا يسلم من هذا الداء إلا ما رحم ربي.
اما الامر الثاني، فيتعلق بتصورات المجتمع لحياة وشخصية الاديب والشاعر، فلا يعني ان يكون كل شاعر مفوه او روائي كبير، انه شخصا مثاليا او نموذجا قياديا في المجتمع، نعم الطموح ان يكون الشاعر والاديب وكل نخبوي رمزا في سلوكه واخلاقه ومواقفه، ولكن الواقع خلاف ذلك، فقد انتحر مئات الكتاب والادباء، وعاش آخرون حياة العزلة، وادمن البعض على الكحول والمخدرات، وكانت لكبار الرسامين والادباء عادات وسلوكيات غريبة، لذا ينبغي التفريق بين هذا وذاك.
ختاما، مهما قيل، يبقى السياب رمزا عراقيا وقامة عالمية، وشاعرا استثنائيا، واسما محفور في ذاكرة اجيال كل العراقيين بتقدير واحترام وحب وثناء، وهو رمز الوجع العراقي الانيق.

أضف تعليق